للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخَمْرِ فيها لا يَقْتَضِى سُقُوطَ ضَمَانِها، كالبَيْتِ الذي جُعِلَ مَخْزَنًا لِلْخَمْرِ. والثانية، لا تُضْمَنُ؛ لما رَوَى الإِمامُ أحمدُ، في "مُسْنَدِه" (٣١): حَدَّثَنا (٣٢) أبو بكرِ ابن أبي مَرْيَمَ، عن ضَمْرَةَ بن حَبِيبٍ، قال: قال عبدُ اللَّه بن عمرَ: أمَرَنِى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ، وهى الشَّفْرَةُ، فأتَيْتُه بها، فأَرْسَلَ بها فَأُرْهِفَتْ، ثم أَعطَانِيها، وقال: "اغْدُ عَلَيَّ بها". فَفَعَلْتُ، فخَرَجَ بأَصْحَابِه إلى أَسْوَاقِ (٣٣) المَدِينَةِ، وفيها زِقَاقُ الخَمْرِ قد جُلِبَتْ من الشَّامِ، فأخَذَ المُدْيَةَ مِنِّى، فَشَقَّ ما كان من تلك الزِّقَاقِ بحَضْرَتِه كلِّها، وأمَرَ أصْحَابَه الذين كانوا معه أن يَمْضُوا مَعِى، ويُعَاوِنُونِى، وأمَرَنِى أن آتِىَ الأَسْوَاقَ كلَّها، فلا أَجِدُ فيها زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُه، فَفَعَلْتُ، فلم أَتْرُكْ في أَسْوَاقِها زِقًّا إلَّا شَقَقْتُه. ورُوِىَ عن (٣٤) أنَسٍ، قال. كنتُ أَسْقِى أبا طَلْحَةَ، وأُبَيَّ بن كَعْبِ، وأبا عُبَيْدَةَ، شَرَابًا من فَضِيخٍ (٣٥)، فأتَانَا آتٍ، فقال: إن الخَمْرَ قد حُرِّمَتْ. فقال أبو طَلْحَةَ: قُمْ يا أنَسُ إلى هذه الدِّنَانِ فاكْسِرْهَا (٣٦). وهذا يَدُلُّ على سُقُوطِ حُرْمَتِها، وإِبَاحَةِ إِتْلَافِها، فلا يَضْمَنُها، كسائِرِ المُبَاحَاتِ.

فصل: ولا يَثْبُتُ الغَصْبُ فيما ليس بمالٍ، كالحُرِّ؛ فإنَّه لا يُضْمَنُ بالغَصْبِ، إنَّما يُضْمَنُ بالإِتْلَافِ. وإن أخَذَ حُرًّا، فحَبَسَهُ فماتَ عنده، لم يَضْمَنْهُ؛ لأنَّه ليس بمالٍ. وإن اسْتَعْمَلَه مُكْرَهًا، لَزِمَهُ أَجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّه اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ، وهى مُتَقَوَّمَةٌ، فلَزِمَهُ ضَمَانُها، كمَنَافِعِ العَبْدِ. وإن حَبَسَهُ مُدَّةً لمِثْلِها أَجْرٌ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما،


(٣١) في: ٢/ ١٣٣.
(٣٢) سقط من: الأصل.
(٣٣) في الأصل: "سوق".
(٣٤) سقط من: م.
(٣٥) الفضيخ: عصير العنب.
(٣٦) أخرجه البخاري، في: باب نزل تحريم الخمر، من كتاب الأشربة، وفى: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، من كتاب الآحاد. صحيح البخاري ٧/ ١٣٦، ٩/ ١٠٨، ١٠٩. ومسلم، في: باب تحريم الخمر، من كتاب الأشربة. صحيح مسلم ٣/ ١٥٧٢. والإِمام مالك، في: باب جامع تحريم الخمر، من كتاب الأشربة. الموطأ ٢/ ٨٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>