للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجلٌ من الأنصارِ، في شِرَاجِ الحَرَّةِ (٤)، فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزُّبَيْرِ: "اسْقِ، ثُمَّ أرْسِلِ الْمَاءَ إلَى جَارِكَ". فقال الأنْصَارِيُّ: أنْ كَانَ ابنَ عمَّتِك. فغضِبَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال للزُّبَيْرِ: "اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ (٥) ". مُتَّفَقٌ عليه (٦). فحكمَ في حالِ غَضَبِهِ. وقيل: إنما يَمْنَعُ الغضبُ الحاكمَ (٧) إذا كانَ قبلَ أنْ يتَّضحَ له الحُكمُ في المسألةِ، فأمَّا إن اتَّضَحَ الحُكْمُ، ثم عَرَضَ الغضبُ، لم يَمْنَعْه؛ لأنَّ الحقَّ قد اسْتَبانَ قبلَ الغضبِ، فلا يُؤَثِّرُ الغضبُ فيه.

١٨٦٦ - مسألة؛ قال: (وَإذَا نزَلَ بِهِ الأمْرُ المُشْكِلُ عَلَيْهِ مِثلُهُ، شَاوَرَ فِيهِ أهْلَ الْعِلْمِ وَالْأمَانةِ)

وجُمْلتُه أنَّ الحاكمَ إذا حَضَرتْه قضيَّةٌ تَبَيَّنَ له حُكْمُها في كتابِ اللهِ تعالى، أو سُنَّةِ رسولِه، أو إجْماعٍ، أو قياسٍ جَليٍّ، حكمَ ولم يَحْتَجْ إلى رَأيِ غيرِه؛ لقولِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمُعاذٍ حين بَعَثَه إلى اليمنِ: "بِمَ تَحْكُمُ؟ " قال: بكتابِ اللهِ. قال: "فَإنْ لَمْ تَجِدْ؟ ". قال: بسُنَّةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ ". قال: أجتهدُ رَأْيي، ولا آلُو. قال: "الحَمْدُ للهِ الَّذِى وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِما يُرْضِى رَسُولَ اللهِ" (١). وإن احْتاجَ إلى الاجْتهادِ، اسْتُحِبَّ له أنْ يُشاوِرَ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (٢). قال الحسنُ: إنْ كان رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَغَنِيًّا عن مُشاوَرَتِهم، وإنَّما أرادَ أن يَسْتَنَّ بذلك الحُكَّامُ بعدَه (٣). وقد شاورَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه


(٤) شراج الحرة: مسيل الماء منها إلى السهل.
(٥) الجدر: الحائط، كالجدار.
(٦) تقدم تخريجه، في: ٨/ ١٦٨، ١٦٩.
(٧) في ب: "الحكم".
(١) تقدم تخريجه، في: ١/ ٢٧٥، ٤/ ٥.
(٢) سورة آل عمران ١٥٩.
(٣) أخرجه البيهقى، في: باب مشاورة القاضي والوالى في الأمر، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى ١٠/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>