للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو مِلْكِ ما يَحْصُلُ به، بِدَلِيلِ ما لو كان الباذِلُ أجْنَبِيًّا، ولأنَّه ليس بمالِكٍ لِلزَّادِ والرَّاحِلَةِ، ولا ثَمَنِهما، فلم يَلْزَمْهُ الحَجُّ، كما لو بَذَلَ له وَالِدُه، ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا يَلْزَمُه مِنَّةٌ، ولو سَلَّمْنَاهُ (١٣) فَيَبْطُلُ [ببَذْلِ الوالِدَةِ] (١٤)، وبَذْلِ (١٥) مَن لِلْمَبْذُولِ (١٦) عليه أيَادٍ كَثِيرَةٌ ونِعَمٌ.

فصل: ومَن تَكَلَّفَ الحَجَّ مِمَّنْ لا يَلْزَمُه، فإن أمْكَنَهُ ذلك مِن غيرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بغيرِه، مثل أن يَمْشِىَ ويَكْتَسِبَ بِصِنَاعَةٍ كالخَرْزِ، أو مُعَاوَنَةِ من يُنْفِقُ عليه، أو يُكْتَرَى لِزَادِه، ولا يَسْأَلُ النَّاسَ، اسْتُحِبَّ له الحَجُّ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} (١٧) فَقَدَّمَ ذِكْرَ الرِّجَالِ. ولأنَّ فى ذلك مُبَالَغَةً فى طاعَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وخُرُوجًا من الخِلافِ. وإن كان يَسْأَلُ النَّاسَ، كُرِهَ له الحَجُّ؛ لأنَّه يُضَيِّقُ على النَّاسِ، ويَحْصُلُ كَلًّا عليهم فى الْتِزَامِ ما لا يَلْزَمُه. وسُئِلَ أحمدُ عَمَّنْ يَدْخُلُ البادِيَةَ بلا زَادٍ ولا رَاحِلَةٍ؟ فقال: لا أُحِبُّ له ذلك، هذا يَتَوَكَّلُ على أزْوَادِ النَّاسِ.

فصل: ويَخْتَصُّ اشْتِرَاطُ الرَّاحِلَةِ بالبَعِيدِ الذى بَيْنَه وبين البَيْتِ مَسافَةُ القَصْرِ، فأمَّا القَرِيبُ الذى يُمْكِنُه المَشْىُ، فلا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ فى حَقِّهِ؛ لأنَّها مَسافَةٌ قَرِيبَةٌ، يُمْكِنُه المَشْىُ إليها، فلَزِمَهُ، كالسَّعْى إلى الجُمُعَةِ. وإن كان مِمَّنْ لا يُمْكِنُه المَشْىُ، اعْتُبِرَ وُجُودُ الحُمولَةِ فى حَقِّهِ؛ لأنَّه عاجِزٌ عن المَشْىِ، فهو كالبَعِيدِ. وأمَّا الزَّادُ فلا بُدَّ منه، فإن لمْ يَجِدْ زَادًا، ولا قَدَرَ على كَسْبِه، لم يَلْزَمْهُ الحَجُّ.


(١٣) فى م: "سلمنا".
(١٤) فى م: "بذل الوالد".
(١٥) فى م: "وببذل".
(١٦) فى م زيادة: "له".
(١٧) سورة الحج ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>