للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدًا، ثم عتقَ الجارحُ، ومات المجروحُ، قُتِلَ به؛ لأنَّ القِصاصَ وَجَبَ، فلم يَسْقُطْ بالعِتْقِ بعدَه، ولأنَّ التَّكافُؤَ مَوْجودٌ حالَ وُجودِ الجِنايةِ، وهي السَّبَبُ، فاكْتُفِىَ به. ولو جَرَحَ حُرٌّ ذِمِّيٌّ عبدًا، ثم لَحِقَ بدارِ الحَرْب، فأُسِرَ واسْتُرِقَّ، لم يُقْتَلْ بالعبدِ؛ لأنَّه حين وُجُوبِ القِصاصِ حُرٌّ.

فصل: وإذا قَتَلَ عبدٌ عبدًا عَمدًا، فسَيِّدُ المقْتولِ مُخيَّرٌ بين القِصاصِ والعَفْوِ، فإن عَفَا إلى مالٍ، تعَلَّقَ المالُ برَقبةِ القاتِل؛ لأنَّه وَجَبَ بجِنايَتِه، وسَيِّدُه مُخَيَّرٌ بين فِدائِه وتَسْلِيمِه، فإن اخْتارَ فِداءَه، فَدَاهُ بأقَلِّ الأمْرَيْنِ من قِيمَتِه أو قِيمةِ المَقْتُولِ؛ لأنَّه إن كان الأقَلُّ قِيمَتَه، لم يلْزَمْه أكثرُ منها؛ لأنَّها بَدَلٌ عنه، وإن كان الأقلُّ قِيمةَ المقتولِ، فليس لسَيِّدِه أكثرُ منها؛ لأنَّها بَدَلٌ عنه (٢١). وعنه رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّ سَيِّدَه إن اخْتار فِداءَه، لَزِمَه أرْشُ الجِنايةِ، بالِغًا ما بَلَغَ؛ لأنَّه إذا سَلَّمَه للبَيْعِ، رُبَّما زاد فيه مُزايِدٌ أكثرَ من قِيمَتِه. فإن قَتَلَ عَشرةُ أعْبُدٍ عبدًا لِرَجُلٍ عمدًا، فعليهم القِصاصُ، فإن اخْتارَ السَّيِّدُ قَتْلَهُمْ، فله قَتْلُهم، وإن عَفَا إلى مالٍ، تعلَّقتْ قِيمةُ عبدِه برِقابِهِم، على كلِّ واحدٍ منهم عُشْرُها، يُباعُ منه بقَدْرِها (٢٢) أو يَفْدِيه سَيِّدُه، فإن اختار قَتْلَ بعضِهم والعفوَ عن البعضِ كان ذلك له؛ لأنَّ له قَتلَ جَمِيعِهم والعفوَ عن جَمِيعِهم. وإن قَتَل عبدٌ عبدَيْنِ لرَجُلٍ واحدٍ، فله قَتلُه والعَفْوُ عنه، فإن قَتَلَه، سَقَطَ حقُّه، وإن عَفَا إِلى مالٍ، تعلَّقتْ قيمةُ العبْدَينِ برَقَبَتِه، فإن كانا لرَجُلَيْنِ فكذلك، إلَّا أنَّ القاتِلَ يُقْتَلُ بالأَوَّلِ منهما؛ لأنَّ حَقَّه أسْبَقُ، فإن عَفَا عنه الأَوَّلُ، قُتِلَ بالثاني. وإن قَتَلَهُما دَفْعةً واحدةً، أُقْرِعَ بينَ السَّيِّديْنِ، فأيُّهما خَرَجَتْ له القُرْعةُ، اقْتَصَّ، وسَقَطَ حَقُّ الآخرِ. وإنْ عَفَا عن القِصاصِ، أو عفا سَيِّدُ القَتِيلِ الأوَّلِ عن القِصاصِ إلى مالٍ، تعلَّقَ برَقَبةِ العبدِ، وللثاني أن يَقْتَصَّ؛ لأنَّ تَعَلُّقَ المالِ بالرَّقبةِ لا يُسْقِطُ حَقَّ القِصاصِ، كما لو جَنَى العبدُ المَرْهُونُ، فإن قتَلَه الآخرُ، سَقَطَ حَقُّ الأوَّلِ من الْقِيمةِ؛ لأنه لم يَبْقَ مَحَلٌّ يتعلَّقُ به، وإن عَفَا


(٢١) في الأصل: "عبده".
(٢٢) في ب: "بقدر هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>