للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أكثرُ أصحابِنا المُتأَخِّرِين: لا يَحْرُمُ بهذا. وهو قولُ أكثرِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّها إذا ذُبِحَت فقد صارَت فى حُكمِ المَيِّتِ، وكذلك لو أُبِينَ رأسُها بعد الذَّبْحِ، لم تَحْرُمْ. نَصَّ عليه أحمدُ. ولو ذُبِحَ إنسانٌ ثمّ ضرَبَهُ (٢) آخرُ وغَرَّقَه (٣)، لم يلزمْه قِصاصٌ ولا دِيَةٌ. ووَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِىِّ قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى حديثِ عَدِىِّ بن حاتِمٍ: "وإِنْ وَقَعَتْ فِى الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ" (٤). وقال ابنُ مسعود: من رَمَى (٥) طائِرًا فوقَعَ فى مَاءٍ (٦)، فغرِقَ فيه، فلا تَأْكُلْه (٧). ولأنَّ الغَرَقَ سبَبٌ يقْتُلُ، فإذا اجْتَمَع مع الذَّبْحِ، فقد اجْتَمَعَ ما يُبِيحُ ويُحرِّمُ، فيُغَلَّبُ الحَظْرُ، ولأنَّه لا يُؤْمَنُ أَنْ يُعينَ على خُروجِ الرُّوحِ، فتكونَ قد خَرَجَت بفِعْلَيْن مُبِيحٍ ومُحَرِّمٍ، فأشْبَهَ ما لو وُجِدَ الأَمْرانِ فى حالٍ واحدةٍ، أو رَماه مسلِمٌ ومَجُوسِىٌّ فماتَ.

١٧٢٩ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا ذَبَحَها مِنْ قَفَاهَا، وهُوَ مُخطِئٌ، فأَتَتِ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِها، وهِىَ فِى الْحَيَاةِ، أُكِلَتْ)

قال القاضى: مَعْنَى الخطأ أَنْ تَلْتَوِىَ الذَّبِيحَةُ عليه، فتَأْتِىَ السِّكِّينُ على القَفَا؛ لأنَّها مع الْتِوائِها مَعْجُوزٌ عن ذَبْحِها فى محلِّ ذَبْحِها، فسَقَطَ اعْتبارُ المَحَلِّ، كالمُتَرَدِّيَةِ فى بئرٍ، فأمَّا مع عدَمِ الْتوائِها، فلا تُباحُ بذلِك؛ لأنَّ الجَرْحَ فى القَفا سبَبٌ للزُّهوقِ، وهو فى غيرِ مَحَلِّ الذَّبْح، فإذا اجْتَمَع مع الذَّبْحِ، مَنَعَ حِلَّهُ، كما لو بقَرَ بطنَها. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، ما يَدُلُّ على هذا المعنى، فإنَّ الفَضْلَ بن زِيادٍ قال: سأَلْتُ أبا عبد اللَّه عن مَن ذبَح فى القَفا؟ قال: عامِدًا أو غيرَ عامِدٍ؟ [قلتُ: عامِدًا] (١). قال: لا تُؤْكَلُ، فإذا كان غيرَ عامِدٍ، كأنَّه (٢) الْتَوَى عليه، فلا بَأْسَ.


(٢) فى م: "ضرب".
(٣) فى م: "عنقه أو غرقه".
(٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ٢٧٨.
(٥) فى أ: "وطىء".
(٦) فى م: "الماء".
(٧) أخرجه البيهقى، فى: باب الصيد يرمى. . . أو يقع فى الماء، من كتاب الصيد والذبائح. السنن الكبرى ٩/ ٢٤٨. وابن أبى شيبة، فى: باب إذا رمى صيدا فوقع فى الماء، من كتاب الصيد. المصنف ٥/ ٣٧٢.
(١) سقط من: ب.
(٢) فى م: "كأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>