للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لو حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ المَسْحِ عليه، أو قَلَّمَ أَظْفَارَهُ بعدَ غَسْلِها، ولأنَّ النَّزْعَ ليس بِحَدَثٍ، والطَّهَارَةُ لا تَبْطُلُ إلَّا بالحَدَثِ. ولَنا، أنَّ الوُضُوءَ بَطَلَ في بَعْضِ الأعْضاءِ، فبَطَلَ في جميعِها، كما لو أَحْدَثَ، وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِنَزْعِ أحَدِ الخُفَّيْنِ، فإنَّه يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ في القَدَمَيْنِ جميعًا، وإنَّمَا نَابَ مَسْحُهُ عن إحْدَاهُما. وأمَّا التَّيَمُّمُ عن بَعْضِ الأعْضَاءِ إذا بَطَلَ، فقد سَبَقَ القَوْلُ فيه في مَوْضِعِه. وحُكِىَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّه إذا خَلَعَ خُفَّيْهِ، غَسَلَ قَدَمَيْهِ مكانَهُ، وصَحَّتْ طَهَارَتُه. وإنْ أخَّرَهُ، اسْتَأْنَفَ الطَّهارَةَ؛ لأنَّ الطَّهَارَةَ كانَتْ صَحِيحَةً في جَمِيعِ الأعْضَاءِ إلى حِينِ نَزْعِ الخُفَّيْنِ، أو انْقِضَاءِ المُدَّةِ، وإنَّما بَطَلَتْ في القَدَمَيْنِ خَاصَّةً، فإذا غَسَلَهُما عَقِيبَ (٣) النَّزْعِ، لم تَفُتِ المُوالاةُ؛ لِقُرْبِ غَسْلِهِما مِن الطَّهارةِ الصَّحِيحَةِ في بَقِيَّةِ الأعْضَاءِ، بِخِلَافِ ما إذا تَرَاخَى غَسْلُهُما. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ المَسْحَ قد بَطَلَ حُكْمُهُ، [وصارَ إلى أنْ نُضِيفَ] (٤) الغَسْلَ إلَى الغَسْلِ، فلم يَبْقَ لِلْمَسْحِ حُكْمٌ، ولأنَّ الاعْتِبَارَ في المُوالاةِ إنَّمَا هو بقُرْبِ (٥) الغَسْلِ مِنَ الغَسْلِ، لا مِنْ حُكْمِه، فإنَّه متى زال حُكْمُ الغَسْلِ بَطلَتِ الطَّهارةُ، ولم يَنْفَعْ قُرْبُ الغَسْلِ شيئًا؛ لِكَوْنِ الحُكْمِ لا يَعُودُ بعدَ زَوَالِهِ إلَّا بِسَبَبٍ جَديدٍ.

فصل: وإنْ نَزَعَ العِمامةَ بعدَ مَسْحِها، بَطلَتْ طَهارتُه أيضًا. وعلى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى، يَلْزَمُه مَسْحُ رَأْسِهِ، وغَسْلُ قَدَمَيْهِ؛ لِيَحْصُلَ الترْتِيبُ. ولو نَزَعَ الجَبِيرَةَ بعدَ مَسْحِها، فهو كَنَزْعِ العِمَامَةِ، إلَّا أنَّه إنْ كان مَسَحَ عليها في غُسْلٍ يَعُمُّ البَدَنَ، لم يَحْتَجْ إلى إعَادَةِ غُسْلٍ ولا وُضُوءٍ؛ لأنَّ التَّرْتِيبَ والمُوَالَاةَ سَاقِطَانِ فيه.

فصل: ونَزْعُ أحَدِ الخُفَّيْنِ كنَزْعِهِما في قَوْلِ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ؛ منهم: مالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأَوْزَاعِىُّ، وابْنُ المُبَارَكِ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. ويَلْزَمُهُ نَزْعُ الآخَرِ. وقال الزُّهْرِىُّ: يَغْسِلُ القَدَمَ الذي نَزَعَ الخُفَّ منه، ويَمْسَحُ الآخَرَ؛ لأنَّهما


(٣) في م: "عقب". وهما بمعنى.
(٤) في م: "وصارا الآن نضيف".
(٥) في م: "لقرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>