للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوهُ قَوْلُ أبى يوسفَ ومحمدٍ؛ لقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (١). ولأنَّه حَقٌّ لآدَمِىٍّ، فيُسْتَحْلَفُ فيه، كالمالِ، ثم اخْتَلَفُوا، فقال أبو يوسفَ ومحمد: يُسْتَحْلَفُ فى النِّكَاحِ، فإنْ نكَل، أُلْزِمَ النِّكَاحَ. وقال الشَّافِعِىُّ: إِنْ نَكَل، رُدَّتِ اليَمِينُ على الزَّوْجِ فحلَفَ، وثَبَتَ النِّكَاحُ. ولَنا، أَنَّ هذا ممَّا لا يَحِلُّ بَذْلُه، فلم يُسْتَحْلَفْ فيه، كالْحَدِّ. يُحقِّقُ هذا أَنَّ الأبْضَاعَ ممَّا يُحْتَاطُ فيها، فلا تُبَاحُ بالنُّكُولِ، ولا به وبيَمِينِ المُدَّعِى، كالحُدُودِ، وذلك لأنَّ النُّكُوَل ليس بحُجَّةٍ قَوِيَّة، إنَّما هو سُكُوتٌ مُجَرَّدٌ يحْتَمِلُ أَنْ يكونَ لخَوْفِه من اليَمِينِ، أو للجَهْلِ بحَقِيقَة الحَالِ، أو للحَياءِ من الحَلِفِ والتَّبَذُّلِ فى مَجْلِسِ الحاكمِ، ومع هذه الاحْتمِالاتِ، لا يَنْبَغِى أن يُقضَى به فيما يُحْتاطُ له، ويَمِينُ المُدَّعِى إنَّما هى قَوْلُ نَفْسِه، لا ينْبَغِى أن يُعْطى بها أمْرًا فيه خَطَرٌ عظِيمٌ، وإثْمٌ كبيرٌ، ويُمَكنُ من وَطْءِ امْرَأةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تكونَ أجْنَبِيَّةً منه. وأمَّا الحَدِيثُ فإنَّما يتَنَاوَلُ (٢) الأَمْوَالَ والدِّمَاءَ، فلا يدْخُلُ النِّكَاحُ فيه، ولو دَخَلَ فيه كُلُّ دَعْوَى، لَكانَ مخصُوصًا بالحُدُودِ، والنِّكَاحُ فى مَعْنَاه، بل النِّكَاحُ أوْلى؛ لأنَّه لا يكادُ يَخْلُو من شُهُودٍ، لكَوْنِ (٣) الشَّهادةِ شَرْطًا فى انْعِقادِه، أو من اشْتِهارِه، فيُشْهَدُ فيه بالاسْتِفَاضَةِ، والحُدودُ بخِلافِ ذلك. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه يُفرَّقُ بينهما، ويُحَالُ بينَه وبينَها ويُخْلَى سَبِيلُها. وإِنْ قُلْنَا: إنَّها تحْلِفُ على الاحْتِمالِ الآخَرِ. فنَكَلَتْ، لم يُقْضَ بالنُّكُولِ، وتُحْبَسُ، فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، حتَّى تُقِرَّ أو تَحْلِفَ، وفى الآخَرِ، يُخْلَى سَبِيلُها، وتكُونُ فائِدَةُ شَرْعِ اليَمِينِ التَّخْوِيف والرَّدْعَ، لتُقِرَّ إِنْ كان المُدَّعِى مُحِقًّا، أو تَحْلِفَ، فتَبْرأَ إِنْ كان مُبْطِلًا.

فصل: وإذا ادَّعَى رجُلٌ نِكاحَ امرَأةٍ، احتاجَ إلى ذِكْرِ شَرائطِ النِّكاحِ، فيقولُ: تزَوَّجْتُها بولىٍّ مُرْشدٍ وشاهِدَىْ عَدْلٍ ورِضَاهَا. إِنْ كانت ممَّنْ يُعْتبرُ رِضَاها. وهذا مَنْصُوصُ الشَّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفة، ومالِكٌ: لا يحْتاجُ إلى ذِكْرِ شَرَائِطِه؛ لأنَّه نَوْع


(١) تقدم تخريجه، فى: ٦/ ٥٢٥.
(٢) فى ب، م: "تناول".
(٣) فى الأصل: "لكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>