للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنِّكَاحِ والمُسَاقاةِ، والتَّقْدِيرُ بسَنَة وثَلَاثِينَ، تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عليه، وليس ذلك أَوْلَى من التَّقْدِيرِ بزِيَادَةٍ عليه أو نُقْصَانٍ منه. وإذا اسْتَأْجَرَه سِنِينَ، لم يَحْتَجْ إلى تَقْسِيطِ الأجْرِ على كلّ سَنَةٍ، في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ، كما لو اسْتَأْجَرَ سَنَةً لم يَفْتَقِرْ إلى تَقْسِيطِ أجْرِ كَلِّ شَهْرٍ، بالاتِّفَاقِ. ولو اسْتَأْجَرَ شَهْرًا، لم يَفْتَقِرْ إلى تَقْسِيطِ أجْرِ كلِّ يومٍ. ولأنَّ المَنْفَعةَ كالأعْيانِ في البَيْعِ، ولو اشْتَمَلَتِ الصَّفْقةُ على أعْيانٍ، لم يَلْزَمْه تَقْدِيرُ ثَمَنِ كلّ عَيْنٍ، كذلك ههُنا. وقال الشافِعِيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه كقَوْلِنا، وفي الآخَرِ: يَفْتَقِرُ إلى تَقْسِيطِ أجْرِ كلِّ سَنَةٍ؛ لأنَّ المَنافِعَ تَخْتَلِفُ. باخْتِلافِ السِّنِينَ، فلا نَأْمَنُ (١٣) أن يَنْفَسِخَ العَقْدُ، فلا يَعْلَمُ بم يَرْجِعُ. وهذا يَبْطُلُ بالشُّهُورِ؛ فإنَّه لا يَفْتَقِرُ إلى تَقْسِيطِ الأجْرِ عليها، مع الاحْتِمالِ الذي ذَكَرُوه.

فصل: والإِجَارَةُ على ضَرْبَيْنِ؛ أحدُهما، أن يَعْقِدَها على مُدَّةٍ. والثاني، أن يَعْقِدَها على عَمَلٍ مَعْلُومٍ، كبِنَاءِ حائِطٍ، وخِيَاطَةِ قَمِيصٍ، وحَمْلٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيّنٍ. فإذا كان المُسْتَأْجَرُ ممَّا له عَمَلٌ كالحَيَوانِ، جازَ فيه الوَجْهانِ؛ لأنَّ له عَمَلًا تَتَقَدَّرُ منَافِعُه به، وإن لم يَكُنْ له عَمَلٌ كالدّارِ والأرْضِ، لم يَجُزْ إلَّا على مُدّةٍ. ومتى تَقَدَّرَتِ المُدّةُ، لم يَجُزْ تَقْدِيرُ العَمَلِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ؛ لأنَّ الجَمْعَ بينهما يَزِيدُها غَرَرًا، لأنَّه قد يَفْرُغُ من العَمَلِ قبلَ انْقِضَاءِ المُدّةِ، فإن اسْتُعْمِلَ في بَقِيّةِ المُدَّةِ، فقد زَادَ على ما وَقَعَ عليه العَقْدُ، وإن لم يَعْمَلْ كان تَارِكًا لِلْعَمَلِ في بعض المُدَّةِ، وقد لا يَفْرُغُ من العَمَلِ في المُدَّةِ، فإن أتَمَّهُ عَمِلَ في غير المُدّةِ، وإن لم يَعْمَلْهُ لم يَأْتِ بما وَقَعَ عليه العَقْدُ، وهذا غَرَرٌ أمْكَنَ التَّحَرُّزُ عنه، ولم يُوجَدْ مثلُه في مَحلِّ الوِفَاقِ، فلم يَجُزِ العَقْدُ معه. ورُوِىَ عن أحمدَ، في مَن اكْتَرَى دابّةً إلى مَوْضِعٍ، علَى أن يَدْخُلَه في ثَلَاثٍ، فدَخَلَه في سِتٍّ، فقال: قد أضَرَّ به. فقيل: يَرْجِعُ عليه بالقِيمَةِ؟ قال: لا، يُصَالِحُه. وهذا يَدُلُّ على جَوَازِ تَقْدِيرِهِما جَمِيعا. وهو قول أبي يوسفَ، ومحمدِ بن


(١٣) في ب، م: "يأمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>