للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَهَى عن الثُّنْيَا إلَّا أن تُعْلَمَ (١٧). وهذه مَعْلُومَةٌ، ولأنَّ المَنْفَعَةَ قد تَقَعُ مُسْتَثْناةً بالشَّرْعِ على المُشْتَرِى فيما إذا اشْتَرَى نَخْلَةً مُؤْبَّرَةً، أو أَرْضًا مَزْرُوعَةً، أو دارًا مُؤْجَرَةً، أو أَمَةً مُزَوَّجَةً، فجازَ أن يَسْتَثْنِيَها، كما لو اشْتَرَطَ البائِعُ الثَّمَرَةَ قبل التَّأْبِيرِ، ولم يَصِحَّ نَهْىُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعٍ وَشرْطٍ (١٨). وإنَّما نَهَى عن شَرْطَيْنِ فى بَيْعٍ (١٨)، فمَفْهُومُه إباحَةُ الشَّرْطِ الواحدِ، وقياسُهُم يَنْتَقِضُ بِاشْتِراطِ الخِيارِ والتَّأْجِيلِ فى الثَّمَنِ.

فصل: وإن باعَهُ (١٩) أمَةً، واسْتَثْنَى وَطْأَها مُدَّةً مَعْلُومَةً، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الوَطْءَ لا يُباحُ فى غير مِلْكٍ أو نِكاحٍ؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (٢٠)، وفارَقَ اشْتِراطَ وَطْءِ المُكاتَبَةِ حيث نُبيحُه؛ لأنَّ المُكاتَبَةَ مَمْلُوكَةٌ، فَيُسْتَباحُ وَطْؤُها بالشَّرْطِ فى المَحَلِّ المَمْلُوكِ. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ، أنَّه لا يُباحُ وَطْؤُها أيضًا. وهو قولُ أَكْثَرِ الفُقَهاءِ.

فصل: وإن باعَ المُشْتَرِى العَيْنَ المُسْتَثْنَاةَ مَنْفَعَتُها، صَحَّ الْبَيْعُ، وتكون فى يَدِ المُشْتَرِى الثانى مُسْتَثْنَاةً أيضًا، فإنْ كان عالِمًا (٢١) بذلك، فلا خِيارَ له؛ لأنَّه دَخَلَ على بَصِيرَةٍ، فلم يَثْبُتْ له خِيارٌ، كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، فإنَّ لم يَعْلَمْ، فله خِيارُ الفَسْخِ؛ لأنَّه عَيْبٌ، فهو كما لو اشْتَرَى أمَةً مُزَوَّجَةً، أو دَارًا مُؤْجَرَةً. وإن أَتْلَفَ المُشْتَرِى العينَ، فعليه أُجْرَةُ (٢٢) المِثْلِ؛ لِتَفْوِيتِ المَنْفَعةِ المُسْتَحَقَّةِ لغيرِه،


(١٧) تقدَّم تخريجه فى صفحة ١٣١.
(١٨) انظر ما تقدَّم فى حاشيتى ١٦٥، ١٦٦.
(١٩) فى الأصل: "باع".
(٢٠) سورة المؤمنون ٥ - ٧.
(٢١) فى الأصل: "يعلم".
(٢٢) فى م: "أجر".

<<  <  ج: ص:  >  >>