للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأَنَّهُ يَلْزَمُه بالحِنْثِ فى هذا النَّذْرِ أحدُ شَيْئَيْن؛ إمَّا الكَفَّارَةُ، وإمَّا المَشْىُ، فقد صارَ الحِنْثُ مُوجِبًا لِحَقٍّ عليه، فعلى هذا يَكونُ مُولِيًا بِنَذْرِ فِعْلِ المُباحاتِ والمَعاصِى أيضًا، فإِنَّ نَذْرَ المَعْصِيَةِ مُوجِبٌ لِلكفَّارَةِ فى ظاهِرِ المذهبِ، وإِنْ سَلَّمْنَا، فالْفَرْقُ بينهما أَنَّ المَشْىَ لا يَجبُ بِالنَّذْرِ، بخِلافِ مَسْألتِنا. وإذا اسْتَثْنَى فى يَمِينِهِ، لم يكنْ مُولِيًا فى قَوْلِ الْجَمِيعِ؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِالحِنْثِ، فلم يكنِ الْحِنْثُ مُوجِبًا لِحَقٍّ عليه. وهذا إذا كانتِ اليَمِينُ بِاللَّهِ تعالى، أو كانتْ يَمِينًا مُكَفَّرَةً، فأمَّا الطَّلاقُ والعَتَاقُ، فمَنْ جَعَلَ الاسْتِثْناءَ فيهما غيرَ مُؤَثِّرٍ، فوُجُودُهُ كعَدَمِهِ، ويكونُ مُولِيًا بهما، سَوَاءٌ اسْتَثْنَى أو لم يَسْتَثْنِ.

فصل: الشَّرْطُ الثَّانِى، أَنْ يَحْلِفَ على تَرْكِ الْوَطْءِ أكْثَرَ مِنْ أربعةِ أشْهُرٍ. وهذا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وطاوُسٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومالِكٍ، والأوْزاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأبِى ثَوْرٍ، وأبى عُبَيْدٍ (١١). وقال عَطاءٌ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ: إِذَا حَلَفَ على أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فما زادَ، كانَ مُولِيًا. وحَكَى ذلك القاضى وأبو الحسينِ رِوَايَةً عن أحمدَ؛ لأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِن الْوَطْءِ بِاليَمِينِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فكانَ مُولِيًا، كما لو حَلَفَ على ما زادَ. وقال النَّخَعِىُّ، وقَتَادَةُ، وحَمَّادٌ، وابنُ أبى لَيْلَى، وإِسحاقُ: مَنْ حَلَفَ على تَرْكِ الْوَطْءِ فى قَلِيلٍ مِن الأوْقاتِ أو كَثِيرٍ، وتَركَهَا (١٢) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فهو مُولٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (١٣). وهذا مُولٍ؛ فَإنَّ الإِيلاءَ الحَلِفُ، وهذا حَالِفٌ. ولَنا، أَنَّهُ لم يَمْنَعْ نَفْسَهُ مِنَ الْوَطْءِ بِالْيَمِينِ أَكْثَرَ مِنْ أَربَعَةِ أشْهُرٍ، فلم يكنْ مُولِيًا، كما لو حَلَفَ على تَرْكِ قُبْلَتِها. والآيَةُ حُجَّةٌ لنا؛ لأنَّه جَعَلَ له تَرَبُّصَ أَربَعَةِ أشْهُرٍ، فإذا حَلَفَ على أرْبَعَةِ أشْهُرٍ أو ما دُونَها، فلا مَعْنَى لِلتَّرَبُّصِ؛ لأنَّ مُدَّةَ الإِيلاءِ تَنْقَضِى قبلَ ذلك أو مع (١٤) انْقِضائِه. وتَقْدِيرُ التَّرَبُّصِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَقْتَضِى كَوْنَه فى مُدَّةٍ تَناوَلَها


(١١) فى م: "وأبى عبيدة".
(١٢) فى أ: "فتركها".
(١٣) سورة البقرة ٢٢٦.
(١٤) فى م: "ومع".

<<  <  ج: ص:  >  >>