للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَقْدِ السَّابِقِ. قال أحمدُ، فى رِوَايَةِ ابن مَنْصُورٍ: إذا ارْتَهَنَ دَارًا، ثم أكْرَاهَا صَاحِبُها، خَرَجَتْ من الرَّهْنِ، فإذا رَجَعَتْ إليه، صَارَتْ رَهْنًا. وقال فى مَن رَهَنَ جَارِيَةً، ثم سَأَلَ المُرْتَهِنَ أن يَبْعَثَها إليه لِتَخْبِزَ لهم، فبَعَثَ بها، فوَطِئَها: انْتَقَلَتْ من الرَّهْنِ، فإن لم يكن وَطِئَها، فلا شىءَ. قال أبو بكرٍ: لا يكونُ رَهْنًا فى تلك الحالِ، فإذا رَدَّها رَجَعَتْ إلى الرَّهْنِ. وممَّن أوْجَبَ اسْتِدَامَةَ القَبْضِ مالِكٌ وأبو حنيفةَ. وهذا على القولِ الصَّحِيحِ، فأمَّا على قولِ مَن قال: ابْتِدِاءُ القَبْضِ ليس بِشَرْطٍ. فأَوْلَى أن يقولَ: الاسْتِدَامَةُ غيرُ مُشْتَرَطَةٍ؛ لأنَّ كلَّ شَرْطٍ يُعْتَبَرُ فى الاسْتِدَامَةِ، يُعْتَبَرُ فى الابْتِدَاءِ، وقد يُعْتَبَرُ فى الابْتِدَاءِ ما لا يُعْتَبَرُ فى الاسْتِدَامَةِ. قال أبو الخَطَّابِ: إذا قُلْنا: القَبْضُ شَرْطٌ فى الابْتِدَاءِ. كان شَرْطًا فى الاسْتِدَامَةِ. وقال الشَّافِعِىُّ: اسْتِدَامَةُ القَبْضِ ليست شَرْطًا؛ لأنه عَقْدٌ يُعْتَبَرُ القَبْضُ فى ابْتِدَائِه، فلم يُشْتَرَطْ اسْتِدَامَتُه كالهِبَةِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. لأنَّها إحْدَى حَالَتَىِ الرَّهْنِ، فكان القَبْضُ فيها شَرْطًا، كالابْتِدَاءِ. ويُفَارِقُ الهِبَةَ؛ لأنَّ القَبْضَ فى ابْتِدَائِها يُثْبِتُ المِلْكَ، فإذا ثَبَتَ اسْتغْنى عن القَبْضِ ثانِيًا، والرَّهْنُ يُرَادُ لِلْوَثِيقَةِ من بَيْعِه، واسْتِيفَاءِ دَيْنِه من ثَمَنِه، فإذا لم يكُنْ فى يَدِه، لم يَتَمَكَّنْ مِن بَيْعِه، ولم تحْصُلْ وَثِيقَةٌ. وإن أُزِيلَتْ يَدُ المُرْتَهِنِ لغيرِ حَقًّ، كَغَصْبٍ، أو سَرِقَةٍ، أو إبَاقِ العَبْدِ، أو ضَيَاعِ المَتَاعِ، ونحوِ ذلك، لم يَزُلْ لُزُومُ الرَّهْنِ؛ لأنَّ يَدَهُ ثابِتَةٌ حُكْمًا، فكأنَّها لم تَزُلْ.

فصل: وليس لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ إلَّا بإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُه تَقْبِيضُه، فاعْتُبِرَ إذْنُه فى قَبْضِه، كالوَاهِبِ. فإن تَعَدَّى المُرْتَهِنُ، فقَبَضَهُ بغيرِ إِذْنٍ، لم يَثْبُتْ حُكْمُه، وكان بِمَنْزِلَةِ مَن لم يَقْبِضْ. وإن أَذِنَ الرَّاهِنُ فى القَبْضِ، ثم رَجَعَ عن الإِذْنِ قبلَه، زَالَ حُكْمُ الإِذْنِ. وإن رَجَعَ عن الإِذْنِ بعدَ قَبْضِه، لم يُؤَثِّرْ (٦) رُجُوعُه؛ لأنَّ


(٦) فى م: "يؤثم". خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>