للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغْنِيائِهِم، فتُرَدُّ فِى فُقَرائِهِمْ" (٢٢). فجَعَلَ الغَنِىَّ مَن تُؤْخَذُ منه الصَّدَقةُ، ولا تُؤْخَذُ إلَّا من النِّصابِ. ولأنَّ هذا لا يَمِلْكُ نِصَابًا، ولا قِيمَتَه، فجازَ له الأخْذُ، كالذى لا كِفايةَ له. ولَنا، ما رَوَى عبدُ اللَّه بن عَدِىِّ بن الْخِيَارِ، أن رَجُلَيْنِ أتَيَا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يَقْسِمُ الصَّدَقةَ، فسأَلاه شيئًا منها، فصَعَّدَ بَصَرَه فيهما، وقال لهما: "إنْ شِئْتُما أعْطَيْتُكُمَا مِنْهَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِىٍّ، وَلَا لِقَوِىٍّ مُكْتَسِبٍ". رواه أبو داودَ، ورواه الإِمامُ أحمدُ (٢٢)، عن يحيى بن سعيدٍ، عن هِشَامِ بن عُرْوةَ، عن أبِيه، عن عُبَيْدِ اللَّه. وقال: هذا أجْوَدُهُما (٢٣) إسْنادًا، ما أجْوَده من حديثٍ، ما أعلمُ رُوِى فى هذا أجْودُ من هذا. قيل له: فالحديثُ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ لِغَنِىٍّ، ولَا لِذِى مِرَّةٍ سَوِىٍّ" (٢٤)؟ قال: لا أعلمُ فيه شيئا يَصِحُّ. قيل له: يَرْوِيه سالمُ بن أبى الجَعْدِ، عن أبى هُرَيْرَةَ، عن النّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: سالمٌ لم يَسْمَعْ من أبى هُرَيرةَ. والغِنَى يَخْتَلِفُ؛ فمنه غِنًى يُوجِبُ الزكاةَ، وغِنًى يَمْنَعُ أخْذَها، وغِنًى يَمْنَعُ المَسْألةَ، ويخالفُ ما قاسُوا عليه هذا، فإنَّه مُحْتاجٌ إليها، والصَّدَقةُ أوْساخُ الناسِ، فلا تُباحُ إلَّا عندَ الحاجةِ إليها، وهذا المُخْتَلَفُ فيه لا حاجةَ به إليها، فلا تُباحُ له.

فصل: وإن كان الرجلُ صحيحًا جَلْدًا، وذَكَر أنَّه لا كَسْبَ له، أُعْطِىَ منها، وقُبِلَ قولُه بغيرِ يَمينٍ، إذا لم يُعْلَمْ يَقِينُ كَذِبِه، ولا يُحَلِّفه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى الرَّجُلَيْنِ اللَّذَين سأَلاه، ولم يُحَلِّفْهما. وفى بعض رِواياتِه، أنَّه قال: أتَيْنَا النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأَلْناه من الصَّدَقةِ، فصَعَّدَ فينا البَصَرَ وصَوَّبَه (٢٥)، فرآنا جَلْدَيْنِ، فقال: "إنْ شِئْتُما أعْطَيْتُكُما". وذكر الحديث.

فصل: فإن ادَّعى أَنَّ له عِيَالًا، فقال القاضِى، وأبو الخَطَّابِ: يُقَلَّدُ (٢٦) ويُعْطَى


(٢٢) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١١٧.
(٢٣) فى الأصل، أ: "أجودها".
(٢٤) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١١٨.
(٢٥) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٢٦) قلده: أعطاه عطية.

<<  <  ج: ص:  >  >>