للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإِنْ عَيَّنا قَوْسًا بعَيْنِها، لم تَتَعَيَّنْ؛ لأنَّها قد تَنْكَسِرُ، ويحتْاجُ إلى إبْدالِها؛ لأنَّ الحِذْقَ لا يخْتلِفُ باخْتلافِ عَيْنِ القَوْسِ، بخلافِ النَّوعِ. وإِنْ تَناضَلَا على أَنْ يَرْمِىَ أحدُهما بالعربيَّةِ، والآخَرُ بالفارِسِيَّةِ، أو أحدُهما بقَوْسِ الزُّنْبُورِ، والآخَرُ بقوْسِ الجَرْخِ (٨٣)، أو قوْسِ الحُسْبانِ، وهو قَوْسٌ سِهامُه قِصارٌ، يُجْعَلُ فى مَجْرًى مثلِ القَصَبةِ، ثم يُرْمَى بها، ففيه (٨٤) وَجْهان؛ أحدُهما، يَصِحُّ. وهو قولُ القاضِى، ومذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّهما نَوْعًا جِنْسٍ، فصَحَّت المُسابَقَةُ مع اخْتلافِهما، كالخيلِ والإِبلِ. [والثانِى، لا تَصِحُّ المسابَقَةُ مع اختلافِهِما؛ لأنَّهما يَخْتَلِفان فى الإِصابَةِ، فجرَى مجرَى المسابَقَةِ بين جِنْسَيْن. وكذلك الحكْمُ فى المسابَقةِ بين نَوْعَى الخيلِ والإِبلِ] (٨٥).

فصل: وظاهرُ كلامِ أحمدَ إباحَةُ الرَّمْى بالقَوْس الفارِسِيَّة. ونَصَّ على جَوازِ المُسابَقَةِ بها. وقال أبو بكر بنُ [أبى] (٨٦) جَعْفر: يُكْرَه؛ لأنَّه رُوِىَ (٨٧) عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه رَأى مع رجلٍ قَوْسًا فارِسِيَّة، فقال: "ألْقِها، فَإنَّها مَلْعُونةٌ، ولكِنْ عَلَيْكُمْ بِالقِسِىِّ العَرَبِيَّةِ، وبِرِمَاحِ الْقَنَا، فَبِهَا يُؤيِّدُ اللَّهُ الدِّينَ، وبِهَا يُمَكِّنُ اللَّهُ لَكُمْ فى الأَرْضِ". روَاه الأَثْرَمُ (٨٨). ولَنا، انعقادُ الإِجْماعِ على الرَّمْىِ بها، وإباحَةِ حَمْلِها، فإنَّ ذلك جازَ فى أكْثَرٍ الأعْصارِ، وهى التى يحْصُلُ الجهادُ بها فى عَصْرِنا وأكثرِ الأعْصارِ المتقدِّمَةِ. وأمّا الخبرُ، فيحْتَمِلُ أنَّه لَعَنَها لأَنَّ حَمَلَتَها فى ذلك العَصْرِ العَجَمُ، ولم يكونُوا أسْلَمُوا بعدُ، ومَنَعَ العربَ من حَمْلِها لعَدَمِ مَعْرِفَتِهم بها، ولهذا أمَرَ بِرِماحِ الْقَنَا، ولو حَمَلَ إنسانٌ رُمْحًا غيرَها لم يكُنْ مَذْمُومًا. وحكى أحمدُ، أَنَّ قَوْمًا اسْتَدَلُّوا على القِسِىِّ الفارِسِيَّةِ بقَوْلِ اللَّه تعالى:


(٨٣) فى الألفاظ الفارسية المعربة ٣٩: الجروخ: من أدوات الحرب، ترمى عنها السهام والحجارة، مشتقة من جرخ (بالجيم المنقوطة بثلاث)، ومعناها الفلك، وتطلق على جميع الآلات التى تدور.
(٨٤) فى ب، م: "ففيها".
(٨٥) سقط من: ب. نقل نظر.
(٨٦) تكملة يصح بها السياق. وهو: أبو بكر عبيد اللَّه بن أبى جعفر المصرى الفقيه، ثقة، صدوق، توفى سنة خمس أو ست وثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب ٧/ ٥، ٦.
(٨٧) فى الأصل: "يروى".
(٨٨) وأخرجه ابن ماجه، فى: باب فى السلاح، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>