للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواحدُ هذا الفَضْلَ كُلَّه، لِمَ لا يجوزُ لاثْنَيْنِ إسْقاطُهم؟ وقَوْلُهم: تَسَاوَوْا فِي قَرَابَةِ الأُمِّ. قُلْنا: فلِمَ لم (٨) يُسَاوُوهم في الميراثِ في هذه المسألة؟ وعلى أَنَّا نقولُ: إنْ سَاوَوْهُم في قَرَابَةِ الأُمِّ فقد فَارَقُوهُم في كَوْنِهم عَصَبَةً مِنْ غيرِ ذَوِى الفُروضِ. وهذا الذي افْتَرَقُوا فيه هو المُقْتَضِى لِتَقْدِيمِ وَلَدِ الأُمِّ، وَتَأْخِير وَلَدِ الأَبَوَيْنِ. فإنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ ذَوِى الفُرُوضِ، وتَأْخِيرِ العَصَبَةِ، ولذلك يُقَدَّمُ ولدُ الأمِّ على ولدِ الأبَوَيْن في القَدْرِ في المسألَة المَذْكورةِ وَشِبْهِهَا، فكذلك يُقَدَّمُ وإنْ سَقَطَ ولدُ الأبَويْنِ كغيرِه، ويَلْزَمُهم أنْ يقولُوا في زَوْجٍ وأُخْتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ وأُخْتٍ مِنْ أَبٍ مَعَها أَخُوها، إِنَّ الأَخَ يَسْقُطُ وَحْدَه، فَتَرِثُ أُخْتُهُ السُّبُعَ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَها مع وُجُودِه كقَرَابَتِها مع عَدَمِه، وهو لَمْ يَحْجُبْهَا، فهلا عَدُّوه حِمارًا، ووَرَّثُوها مع وُجودِه كمِيرَاثِها مع عَدَمِه؟ وما ذَكَرُوه من القِياسِ طَرْدِىٌّ لا مَعْنى تحتَه، قال الْعَنْبَرِىُّ: القِيَاسُ مَا قَالَ علىٌّ، والاسْتِحْسَانُ ما قَالَ عمرُ. قال الْخَبْرِىُّ: وهذه وَسَاطَةٌ ملِيحةٌ، وعِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ، وهو كما قال، إلَّا أنَّ الاسْتِحْسَانَ الْمُجَرَّدَ ليس بِحُجَّةٍ في الشَّرْعِ، فإنَّهُ وَضْعٌ للشَّرْعِ بالرَّأْىِ مِنْ غيرِ دَلِيل، ولا يجوزُ الحُكْمُ به لو انْفَردَ عن المُعَارِضِ، فكيف وهو في مَسْألتِنا يُخالِفُ ظاهر القرآنِ والسُّنَّةِ والْقِياسِ! ومِنَ العَجَبِ ذَهابُ الشَّافِعِى إليه ههُنا، مع تَخْطِئَتِه الذَّاهِبينَ إليه في غيرِ هذا الموضعِ، وَقَوْلِه: مَن اسْتَحْسَنَ فقد شَرَّعَ. ومُوَافَقَةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ أَوْلَى.

فصل: ولو كان مَكَانَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ عَصَبَةٌ مِنْ وَلَدِ الأَبِ سَقَطَ، قَوْلًا وَاحِدًا، ولم يُوَرِّثْهم أَحَدٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ فيما عَلِمْنَا؛ لِأَنَّهم لم يُسَاوُوا ولدَ الأمِّ في قَرَابَةِ الأُمِّ. ولو كان مكانَهم أخَوَاتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ أو مِنْ أَبٍ، فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وعَالَت المَسْألَةُ إلى عَشْرَةٍ، في قولِ الجميعِ، إلَّا في قولِ ابْنِ عَباسٍ ومَنْ تَابَعَهُ، مِمَّنْ لا يَرَى العَوْلَ، فإنَّهم يَرُدُّونَ النَّقْصَ على الأَخَوَاتِ غيرِ وَلَدِ الأُمِّ، فمُقْتَضَى قَوْلِه سُقُوطُ الأَخَوَاتِ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، كما لو كانوا إِخْوَةً، وسنُبَيِّنُ أنَّ الصوابَ خلافُ ذلك، إِن شاءَ اللهُ تعالى.


(٨) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>