للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُنْثَيَيْنِ. وبِه قال مالكٌ، والشَّافِعِىُّ، رَضِىَ اللهُ عنهما، وإسحاقُ؛ لأنَّهم سَاوَوْا وَلَدَ الأُمِّ في القَرَابَةِ التي يَرِثُونَ بِهَا، فوَجَبَ (٣) أَنْ يُسَاوُوهم في المِيراثِ؛ فَإِنَّهم جميعا مِنْ وَلَدِ الأُمِّ، وَقَرَابَتُهم مِنْ جِهَةِ الأَبِ إِنْ لَمْ تَزِدْهم قُرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا فلا ينَبْغِى أنْ تُسْقِطَهم؛ ولهذا قال بعضُ الصَّحَابَةِ أو بعضُ (٤) وَلَدِ الأَبَوَيْنِ لِعُمَرَ وقد أسْقَطَهم: هَبْ أَنَّ أَبَاهم كَانَ حِمَارًا، فما زَادَهم ذلِك إلَّا قُرْبًا. فَشَرَّكَ بَينهم. وَحَرَّرَ بعضُ أصحابِ الشَّافِعِىِّ فِيها قِيَاسًا، فقال: فَرِيضَتُه جَمَعَتْ وَلَدَ الأَبِ والأُمِّ وَوَلَدَ الْأُمِّ، وهم مِنْ أَهْلِ المِيرَاثِ فإذا وَرِثَ وَلَدُ الأُمِّ، وَجَبَ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الْأَبِ وَالأُمِّ، كما لو لم يكُنْ فِيها زَوْجٌ. وَلَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (٥). ولا خِلافَ في أنَّ المُرَادَ بهذه الآيةِ وَلَدُ الأُمِّ على الخصوصِ، فمَنْ شَرَّكَ بيَنهم فلمْ يُعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهما السُّدُسَ، فهو مُخالَفَةٌ لِظاهِرِ القُرْآنِ، وَيَلْزَمُ منه مُخالفةُ ظاهر الآيةِ الأُخْرَى، وهى قولُه: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (٦). يُرَادُ بهذه الآيةِ سائرُ الإِخْوَةِ والْأَخواتِ، وهم يُسَوُّونَ بينَ ذَكَرِهم وأُنْثَاهم. وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ، بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِىَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" (٧) ومَنْ شَرَّكَ فلم يُلْحِقِ الْفَرائِضَ بأهْلِها، ومِنْ جِهَةِ المَعْنَى أنَّ وَلَدَ الأَبَوَيْنِ عَصَبَةٌ لا فَرْضَ لهم، وَقَدْ تَمَّ المالُ بالفُروضِ، فَوَجَبَ أنْ يَسْقُطوا، كما لو كان مكانَ وَلَدِ الأُمِّ ابْنتَانِ. وقد انْعَقَدَ الإجْماعُ على أنَّه لو كان في هذه المسألةِ واحدٌ من ولدِ الأُمِّ، ومِائةٌ مِن ولَدِ الأبَوَين، لَكانَ للواحدِ السُّدُسُ، وللمِائةِ السُّدُسُ الباقى، لِكُلِّ واحدٍ عُشْرُ عُشْرِه، وإذا جازَ أن يَفْضُلَهم


(٣) في أ: "فيجب".
(٤) في م: "وبعض".
(٥) سورة النساء ١٢.
(٦) سورة النساء ١٧٦.
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>