للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٢٣ - مسألة؛ قال: (فإنْ لَمْ يَحْلِفِ المُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضُوا بِيَمِينِ المُدَّعَى عَلَيْهِ، فَدَاهُ الإِمَامُ مِنْ بيتِ المالِ)

يعني أدَّى دِيَتَه؛ لقضيةِ عبدِ اللَّه بِن سَهْلٍ حينَ قُتِلَ بخَيْبرَ، فَأبَى الأَنْصارُ أن يَحْلِفُوا؛ وقالوا: كيفَ نَقْبلُ أيْمانَ قومٍ كُفَّارٍ؟ فودَاه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من عندِه. كراهيةَ أن يُطَلَّ دمُه (١). فإنَّ تعذَّرَ فِداؤُه من بيتِ المالِ، لم يجبْ على المُدَّعَى عليهم شيءٌ؛ لأنَّ الذي يُوجِبُه عليهم اليَمِينُ، وقد امْتَنعَ مُسْتحِقُّوها من اسْتيفائِها، فلم يجبْ لهم غيرُها، كدَعْوَى المالِ.

فصل: وإنِ امتنعَ المدَّعَى عليهم من اليَمِينِ، لم يُحْبَسُوا حتى يَحلِفُوا. وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى، أنَّهم يُحْبَسُون حتى يَحْلِفُوا، وهو قولُ أبي حنيفة. ولَنا، أنَّها يَمِينٌ مشْروعةٌ في حقِّ المُدَّعَى عليه، فلم يُحْبَسْ عليها، كسائرِ الأيمان. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّه لا يجبُ القِصاصُ بالنُّكُولِ؛ لأنَّه حُجَّةٌ ضعيفةٌ، فلا يُشاطُ بها الدَّمُ، كالشَّاهدِ واليَمِين. قال القاضي: ويَدِيهِ (٢) الإِمامُ من بيتِ المالِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وروَى عنه حربُ بن إسماعيل، أنَّ الدِّيَةَ تجبُ عليهم. وهذا هو الصَّحيحُ، وهو اختيارُ أبي بكر؛ لأنَّه حكمٌ ثَبتَ (٣) بالنُّكُولِ، فيثْبُتُ في حقِّهِم ههُنا، كسائرِ الدَّعاوَى، ولأنَّ وُجوبَها في بيتِ المالِ، يُفْضِي إلى إهْدارِ الدَّمِ، وإسْقاطِ حقِّ المدَّعِين، مع إمْكانِ جَبْرِه، فلم يَجُزْ، [كما في سائِرِ] (٤) الدَّعاوَى، ولأنَّها يَمِينٌ توَّجهتْ في دَعْوَى أمْكنَ إيجابُ المالِ بها، فلم تَخْلُ مِن وُجُوبِ شيءٍ على المُدَّعَى عليه، كما في سائرِ الدَّعاوَى، وههُنا لو لم يجبْ على المُدَّعَى عليه مالٌ بِنُكُولِه، ولم يُجْبَرْ على اليَمِينِ؛ لَخَلَا من وُجوبِ شيءٍ عليه


(١) تقدم تخريجه، في صفحة ١٨٨.
(٢) في ب، م: "وفداه".
(٣) في الأصل: "يثبت".
(٤) في ب، م: "كسائر".

<<  <  ج: ص:  >  >>