للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣٢ - مسألة؛ قال: (وسَوَاء كانَ مَطْلْوبًا أوْ طَالِبًا يَخْشَى فَوَاتَ العَدُوِّ، وعَنْ أبِى عَبْدِ اللهِ، رَحِمَه اللهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّهُ إذَا (١) كَانَ طَالِبًا، فَلَا يُجْزِئُه أنْ يُصَلِّىَ إلَّا صَلَاة آمِنٍ)

اخْتَلَفَت الرِّوَايَة عن أبِى عبدِ اللَّه، رحمهُ اللهُ، في طالِب العَدُوِّ الذي يَخافُ فَوَاتَه، فَرُوِىَ أنَّه يُصَلِّى على حَسَبِ حَالِه، كالمَطْلُوبِ سَوَاءً، رُوِىَ ذلك عن شُرَحْبِيلِ ابن حَسنَةَ (٢). وهو قولُ الأوْزَاعِيِّ. وعن أحمدَ، أَنَّه لا يُصَلِّى إلَّا صلاةَ آمِنٍ. وهو قولُ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}. فشَرَطَ الخَوْفَ، وهذا غيرُ خَائِفٍ. ولأنَّهُ آمِنٌ فَلَزِمَتْهُ صلاةُ الأمْنِ، كما لو لم يَخْشَ فَوْتَهم. وهذا الخِلَافُ فِيمَنْ يَأْمَنُ رُجُوعَهم عليه إنْ تشَاغَلَ بِالصلاةِ، ويَأْمَنُ على أصحابِه، فأمَّا الخَائِفُ مِنْ ذلك فحُكْمُهُ حُكْمُ المَطْلُوبِ. ولَنا، ما رَوَى أبو داود، في "سُنَنِهِ" (٣) بإسْنَادِهِ، عن عبد اللهِ بنِ أُنَيْس، قالَ: بَعَثَنِى رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خالد بن سفيان الهُذَلِىّ، وكان نحوَ عَرَفَةَ أو عَرَفَات، قال: "اذْهَبْ فاقْتُلْهُ". فرَأَيْتُه، وحَضَرَتْ صلاةُ العصر، فَقُلْتُ: إنِّي لأَخافُ أنْ يَكُونَ بَيْنِى وبينَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصلاةَ، فانْطَلَقْتُ أَمْشِى، وأنا أُصَلِّى أُومِىءُ إيمَاءً نحوَهُ، فلمَّا دَنَوْتُ منهُ، قالَ لي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رجلٌ مِن العربِ، بَلَغَنِى أنَّك تَجْمَعُ لهذَا الرَّجُلِ، فَجِئْتُكَ لذلك، قال: إنِّي لَعَلَى ذلك. فَمَشَيْتُ معهُ ساعَةً، حتَّى إذا أَمْكَننِى عَلَوْتُهُ بِسَيْفِى حَتَّى بَرَدَ. وظَاهِرُ حَالِه أنَّهُ أَخْبَرَ بذلك النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو كان قد عَلِمَ جَوَازَ ذلك مِنْ قَبْلِه، فإنَّه لَا يُظَنُّ بِهِ أنْ (٤) يَفْعَل مِثْلَ ذلك مُخْطِئًا، وهو رسولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم لا يُخْبِرَه به،


(١) في م: "إن".
(٢) أبو عبد اللَّه شرحبيل بن عبد اللَّه بن المطاع الكندي، وحسنة أمه، أو تبَنَّتْه، كان ممن سيَّره أبو بكر في فتوح الشام، وولاه عمر على ربع من أرباع الشام، وتوفي في طاعون عمواس، وهو ابن سبع وستين سنة. الإصابة ٣/ ٣٢٨، ٣٢٩.
(٣) في: باب صلاة الطالب، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٨٧. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٩٦.
(٤) في م: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>