للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَمّارٌ يومَ بَدْرٍ، فلم أَجِئْ أنا وعَمّارٌ بشيءٍ، وجاءَ سَعْدٌ بأَسِيرَيْنِ. ومثلُ هذا لا يَخْفَى على رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد أقَرَّهُم عليه، وقال أحمدُ: أشْرَكَ بينَهم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فإن قِيل: فالمَغانِمُ مُشْتَرَكَةٌ بين الغَانِمِينَ بِحُكْمِ اللهِ تعالى، فكيف يَصِحُّ اخْتِصَاصُ هؤلاءِ بالشَّرِكَةِ فيها؟ وقال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ: غَنَائِمُ بَدْرٍ كانت لِرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان له أن يَدْفَعَها إلى من شاءَ. فيَحْتَمِلُ أن يكونَ فَعَلَ ذلك لهذا. قُلْنا: أمَّا الأَوَّلُ، فالجَوَابُ عنه أنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ كانت لمن أخَذَهَا من قبل أن يُشْرِكَ اللهُ تعالى بينهم، ولهذا نُقِلَ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ" (٥). فكان ذلك من قَبِيلِ المُبَاحَاتِ؛ من سَبَقَ إلى أخْذِ شيءٍ فهو له. ويَجُوزُ أن يكونَ شَرَّكَ بينهم فيما يُصِيبُونَهُ من الأَسْلَابِ والنَّفَلِ، إلَّا أن الأَوَّلَ أصَحُّ لقولِه: جاء سَعْدٌ بأَسِيرَيْنِ، ولم أجِئْ أنا وعَمَّارٌ بشيءٍ. وأمَّا الثاني، فإنَّ اللَّه تعالى إنَّما جَعَلَ الغَنِيمَةَ لِنَبِيِّهِ عليه السَّلَامُ بعدَ أن غَنِمُوا واخْتَلَفُوا في الغَنَائِمِ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (٦). والشَّرِكَةُ كانتْ قبلَ ذلك. ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا، أنَّها لو كانت لِرَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَخْلُ؛ إمَّا أن يكونَ قد أبَاحَهم أخْذَها، فصارَتْ كالمُبَاحَاتِ، أو لم يُبِحْها لهم، فكيف يَشْتَرِكُونَ في شيءٍ لِغَيرِهِم؟ . وفى هذا الخَبَرِ حُجَّةٌ على أبى حنيفةَ أيضًا؛ لأنَّهم اشْتَرَكُوا في مُبَاحٍ، وفيما ليس بِصِنَاعةٍ، وهو يَمْنَعُ ذلك، ولأنَّ العَمَلَ أحَدُ جِهَتَىِ المُضَارَبَةِ، فصَحَّتِ الشَّرِكَةُ عليه كالمالِ، وعلى أبى حنيفةَ، أنَّهما اشْتَرَكَا في مَكْسَبٍ مُبَاحٍ فَصَحَّ، كما لو اشْتَرَكا في الخِياطَةِ والقِصارَةِ، ولا نُسَلِّمُ أن الوَكَالةَ لا تَصِحُّ في المُباحاتِ؛ فإنَّه يَصِحُّ أن يَسْتَنِيبَ في تَحْصِيلِها بأُجْرَةٍ، فكذلك يَصِحُّ بغيرِ عِوَضٍ إذا تَبَرَّعَ أحَدُهُما بذلك، كالتَّوْكِيلِ في بَيْعِ مالِه.

فصل: وتَصِحُّ شَرِكَةُ الأَبْدانِ مع اتِّفاقِ الصَّنائِعِ. فأمَّا مع اخْتِلافِها، فقال


(٥) انظر: السيرة النبوية، لابن هشام ١/ ٦٤١، ٦٤٢.
(٦) سورة الأنفال ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>