للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت الأُولَى أُخِذَت قِصَاصًا، أو في غيرِ سبيلِ اللهِ، ولا يصِحُّ القياسُ على عيْنِ الأعْورِ لوُجوهٍ ثَلاثة؛ أحدها، أنَّ عينَ الأعْوَرِ حصَلَ بها ما يحصُلُ بالعَيْنيْنِ، ولم يَخْتلفا في الحقيقةِ والأحْكامِ إلَّا تَفاوُتًا يَسِيرًا، بخلافِ أقْطَعِ اليَدِ والرِّجْلِ. والثانى؛ أنَّ عَيْنَ الأعْورِ لم يخْتلِفِ الحُكْمُ فيها باخْتلافِ صفةِ ذَهابِ الأُولَى. وههُنا اخْتلَفَ (٣٦). الثالث؛ أنَّ هذا التَّقديرَ والتَّعْيِينَ على هذا الوجْهِ أمرٌ لا يُصارُ إليه بِمُجَرَّدِ الرَّأْىِ، ولا تَوْقِيفَ فيه فيصارُ إليه، ولا نَظيرَ له فيُقاسُ عليه، فالمصيرُ إليه تَحكُّمٌ بغير دليلٍ، فيجبُ اطِّراحُه. وإنْ قُطِعَتْ أذُنُ من قُطِعتْ أذنُه، أو مَنْخَرُ مَن قُطِعَتْ مَنْخَرُه، لم يجبْ فيه أكثرُ من نِصْفِ الدِّيَةِ، رِوايةً واحدةً؛ لأنَّ مَنْفَعةَ كلِّ أُذنٍ لا تتعلَّقُ بالأُخْرَى، بخلافِ العَيْنَيْنِ.

١٤٨٤ - مسألة؛ قال: (وَفِى الْأَشْفَارِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَفِى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهمَا رُبْعُ الدِّيَةِ)

يَعْنى أجْفانَ العَيْنَيْنِ، وهى أربعةٌ، ففى (١) جَميعِها الدِّيَةُ؛ لأنَّ فيها مَنْفَعةَ الجنْسِ، وفى كلِّ واحدٍ منها رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لأنَّ كُلَّ ذى عَدَدٍ تجبُ في جميعِه الدِّيَةُ، تجبُ في الواحدِ منها بحِصَّتِه منَ الدِّيَةِ، كاليديْنِ والأصابعِ. وبهذا قال الحسنُ، والشَّعْبِىُّ، وقَتادةُ، وأبو هاشمٍ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وعن مالكٍ (٢) في جَفنِ الْعَيْنِ وحَجاجِها (٣) الاجْتهادُ؛ لأنَّه لم يُعْلَمْ تقديرُه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتَّقْدِيرُ لا يَثْبُتُ قِياسًا. ولَنا، أنَّها أعْضاءٌ فيها جمالٌ ظاهرٌ، ونَفْعٌ كاملٌ؛ فإنَّها تُكِنُّ العَيْنَ، وتحْفَظُها، وتَقِيها الحَرَّ والبَرْدَ، وتكونُ كالغَلَقِ عليها، يُطْبِقُه إذا شاءَ، ويفتحُه إذا شاء، ولولاها لقَبُحَ مَنْظرُه، فوجَبتْ فيها الدِّيَةُ، كاليديْنِ، ولا نُسلِّمُ أنَّ التَّقْديرَ لا يَثْبُتُ قِياسًا. فإذا ثَبتَ


(٣٦) في ب، م: "اختلفا".
(١) في م: "ففيها".
(٢) في ب زيادة: "أن".
(٣) في حاشية الأصل: "الحجاج: العظم الذي ينبت عليه الحاجب، بفتح الحاء وكسرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>