للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشافعيُّ: بل هي مَضْمُونةٌ؛ لأنَّها سِرَايةُ جِنَايةٍ، فكانت مَضْمُونةً، كما لو لم يَقْتَصَّ. ولَنا، الخبرُ المذكورُ، ولأنه اسْتَعْجَلَ ما لم يكُنْ له اسْتِعْجَالُه، فبَطَلَ حَقُّه، كقاتِلِ مَوْرُوثِه، وبهذا فارَقَ مَنْ لم يَقْتَصَّ. فعلى هذا، لو سَرَى القَطْعانِ جميعًا، فمات الجاني والمُسْتَوْفِى، فهما هَدْرٌ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ ضَمانُ كلِّ واحدٍ منهما؛ [لأنَّ سِرَايةَ كلِّ واحدٍ منهما] (٣٧) مَضْمونةٌ، ثم يتقاصَّان فيَسْقُطانِ. وقال الشافعيُّ: إن ماتَ المَجْنِىُّ عليه أَوَّلًا، ثم مات الجانِى، كان قِصاصًا به (٣٨)؛ لأنَّه مات من سِرَايةِ القَطْعِ، فقد مات بفِعْلِ المَجْنِىِّ عليه، وإن مات الجانِى، فكذلك في أحدِ الوَجْهَيْنِ، وفى الآخَرِ، يكونُ مَوْتُ الجانِى هَدْرًا، ولوَلِىِّ المَجْنِى عليه نِصْفُ الدِّيَةِ. فأمَّا إن سَرَى أحدُ القَطْعَيْنِ دون صاحِبِه، فعندَنا هو هَدْرٌ، لا ضَمانَ فيه. وعند أبى حنيفةَ، يجبُ ضَمانُ سِرَايتِه. وعندَ الشافعىِّ، إن سَرَتِ الجِنايةُ فهى مَضْمُونةٌ، وإن سَرَى الاسْتِيفاءُ، لم يَجِبْ ضَمانُه. ومَبْنَى ذلك على ما تقَدَّمَ من الخِلافِ.

فصل: وإن انْدَمَلَ جُرْحُ الجِنايةِ، فاقْتَصَّ منه، ثم انْتَقَضَ فسَرَى، فسِرَايَتُه مَضْمُونةٌ، وسِرَايةُ الاسْتِيفاءِ غيرُ مَضْمُونةٍ؛ لأنَّه اقْتَصَّ بعدَ جَوازِ الاقْتِصاصِ. فعلى هذا، لو قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، فبَرَأ، فاقْتَصَّ، ثم انْتَقَضَ جُرْحُ المَجْنِىِّ عليه، فمات، فلوَلِيِّه قَتْلُ الجانِى، لأنَّه مات من جِنَايَتِه، وإن عَفَا إلى الدِّيَةِ، فلا شىءَ له، لأنَّه اسْتَوْفَى بالقَطْعِ ما قِيمَتُه دِيَةٌ وهو يَدَاه، وإن سَرَى الاسْتِيفاءُ، لم يَجِبْ أيضًا شيءٌ؛ لأنَّ القِصاصَ قد سَقَطَ بَمْوتِه، والدِّيَةُ لا يُمْكِنُ إِيجابُها؛ لما ذكرْنا. وإن كان المَقْطُوعُ بالجِنايةِ يَدًا، فوَلِيُّه بالخِيارِ بين القِصاصِ في النَّفْسِ وبين العَفْوِ إلى نِصْفِ الدِّيَةِ. ومتى سَقَطَ القِصاصُ بمَوْتِ الجانِى أو غيرِه، وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ في تَركَةِ الجانِى، أو مالِه إن كان حَيًّا.


(٣٧) سقط من: م. نقل نظر.
(٣٨) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>