للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشافعىُّ فى الجديدِ: لا عِدَّةَ عليها؛ لقولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (٢). وهذا نَصٌّ، ولأنَّها مُطَلَّقةٌ لم تُمَسَّ، فأَشْبَهَتْ مَنْ لم يُخْلَ بها. ولَنا، إجماعُ الصَّحابةِ، رَوَى (٣) الإِمامُ أحمدُ، والأثْرمُ، بإسنادِهما عن زُرَارةَ بن أَوْفَى، قال: قَضَى الخُلفاءُ الراشدونَ أَنَّ مَنْ أَرْخَى سِتْرًا، أو أغْلَقَ بابًا، فقد وَجَبَ المَهْرُ، ووَجَبَتِ العِدّةُ (٤). ورَوَاه الأَثْرَمُ أيضًا عن الأحْنَفِ، عن عمرَ وعلىٍّ، وعن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، عن عمرَ وزَيْدِ بن ثابتٍ. وهذه قَضَايا اشْتَهَرَتْ، فلم تُنْكَرْ، فصارَتْ إجْماعًا. وضَعَّفَ أحمدُ ما رُوِىَ فى خلافِ ذلك، وقد ذكرناه فى كتابِ الصَّداقِ (٥). ولأنَّه عَقْدٌ على المنافعِ، والتَّمْكِينُ (٦) فيه يَجْرِى مَجْرىَ الاسْتِيفاءِ فى الأحكامِ المُتَعَلِّقةِ، كعَقْدِ الإِجَارَةِ، والآية مَخْصُوصةٌ بما ذكَرْناه، ولا يَصِحُّ القِيَاسُ على مَنْ لم يَخلُ بها؛ لأنَّه لم يوُجَدْ منها (٧) التَّمْكِينُ.

فصل: وظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه لا فَرْقَ بين أن يَخْلُوَ بها مع المانِعِ من الوَطْءِ، أو مع عَدَمِه، سَواءٍ كان المانعُ حَقِيقِيًّا، كالجَبِّ والعُنَّةِ والفَتْقِ والرَّتَقِ، أو شَرْعِيًّا كالصَّوْمِ والإحْرامِ والحَيْضِ والنِّفَاسِ والظِّهارِ؛ لأنَّ الحُكْمَ عُلِّقَ (٨) ههُنا على الخَلْوَةِ التى هى مَظنَّةُ الإِصابةِ دُونَ حَقِيقَتِها، ولهذا لو خَلَا بها فأتَتْ بولدٍ لمُدّةِ الحَمْلِ، لَحِقَه نَسَبُه، وإن لم يَطَأْ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أَنَّ الصَّداقَ لا يكْملُ مع وُجُودِ المانعِ، فكذلك يُخَرَّجُ فى العِدَّةِ. ورُوِىَ عنه، أَنَّ صَوْمَ شَهْرِ رمضانَ يَمْنَعُ كَمالَ الصَّدَاقِ مع الخَلْوةِ، وهذا يَدُلُّ


(٢) سورة الأحزاب ٤٩.
(٣) فى أ: "وروى".
(٤) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ١٥٣.
(٥) فى: ١٠/ ١٥٤.
(٦) فى م: "فالتمكين".
(٧) سقط من: ب.
(٨) فى أ: "تعلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>