للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالبَيْعِ وكالنَّقْصِ. وقد قال أحمدُ، في رِوَايَةِ ابن مَنْصُورٍ: إذا كَسَرَ الحَلْىَ، يُصْلِحُه أَحَبُّ إلىَّ. قال القاضي: وهذا مَحْمُولٌ على أنَّهما تَرَاضَيا بذلك، لا أنَّه على طَرِيقِ الوُجُوبِ. وهذا فيما إذا كانت الصِّنَاعَةُ مُبَاحَةً، فإن كانت مُحَرَّمَةً كالأَوَانِي وحَلْىِ الرِّجَالِ، لم يَجزْ ضَمَانُه بأَكْثَرَ من وَزْنِه، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ الصِّنَاعَةَ لا قِيمَةَ لها شَرْعًا، فهى كالمَعْدُومَةِ.

٨٦٢ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا، فغَرَسَها، أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِه وأُجْرَتِهَا إلى وَقْتِ تَسْلِيمِهَا، ومِقْدَارِ نُقْصَانِهَا، إنْ كَانَ نَقَصَهَا الغَرْسُ).

الكلَامُ في هذه المَسْأَلَةِ في فُصُولٍ: أحدها، أنَّه يُتَصَوَّرُ غَصْبُ العَقَارِ من الأَرَاضِى والدُّورِ، ويَجِبُ ضَمَانُها على غَاصِبِهَا. هذا ظاهِرُ مذهبِ أحمدَ، وهو المَنْصُوصُ عن أَصْحَابِه، وبه قال مالِكٌ، والشّافِعِىُّ، ومحمدُ بن الحَسَنِ. ورَوَى ابنُ مَنصُورٍ، عن أحمدَ في مَن غَصَبَ أَرْضًا فزَرَعَها، ثم أصَابَها غَرَقٌ من الغاصِبِ، غَرِمَ قِيمَةَ الأَرْضِ، وإن كان شيئا من السَّمَاءِ، لم يكُنْ عليه شيءٌ. وظَاهِرُ هذا أنَّها لا تُضْمَنُ بالغَصْبِ. وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ: لا يُتَصَوَّرُ غَصْبُها، ولا تُضْمَنُ بالغَصْبِ، وإن أَتْلَفَها، ضَمِنَها بالإِتْلَافِ؛ لأنَّه لا يُوجَدُ فيها النّقْلُ والتَّحْوِيلُ (١)، فلم يَضْمَنْها، كما لو حالَ بينه وبين مَتَاعِه، فتَلِفَ المَتَاعُ؛ لأنَّ الغَصْبَ إِثْبَاتُ اليَدِ على المالِ عُدْوانًا على وَجْهٍ تَزُولُ به يَدُ المالِكِ، ولا يُمْكِنُ ذلك في العَقَارِ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ ظلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ". [رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٢) عن عائِشَةَ] (٣). وفي لَفْظٍ: "مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ". فأَخْبَرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه يُغْصَبُ ويُظْلَمُ فيه. ولأنَّ ما ضُمِنَ في البَيْعِ، وَجَبَ ضَمَانُه في الغَصْبِ، كالمَنْقُولِ، ولأنَّه


(١) في م: "والتحريم".
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٣٦٠.
(٣) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>