للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لِتَسْتَثْفِرْ بثَوْبٍ" (٢). وقال لِحَمْنةَ: "تَلَجَّمِى". لَمَّا قالَتْ: إنَّهُ أَكْثَرُ من ذلك. فإذا (٣) فعلتْ ذلك، ثم خرجَ الدَّمُ، فإنْ كانَ لِرَخاوةِ الشَّدِّ، فعليها إعَادةُ الشَّدَّ والطَّهَارَةُ، وإنْ كانَ لِغلَبَةِ الخارِجِ وقُوَّتِه وكَوْنِه لا يُمْكِنُ شَدُّه أَكْثَرَ مِنْ ذلك، لم تَبْطُل الطَّهارةُ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّز منه، فَتُصَلِّى ولو قَطَرَ الدَّمُ، قالتْ عائشةُ: اعْتَكَفَتْ مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- امْرَأَةٌ مِن أزواجِه، فكانتْ تَرَى الدَّمَ والصُّفْرَةَ والطَّسْتُ تحتها وهى تُصَلِّى. رواه البُخارِىُّ (٤)، وفِي حَدِيثٍ: "صَلِّى وإنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الحَصِيرِ" (٥). وكذلك مَنْ به سَلَسُ البولِ، أو كَثْرَةُ المَذْىِ، يَعْصِبُ رَأْسَ ذَكَرِه بِخِرْقَةٍ، ويَحْتَرِسُ حَسَبَ ما يُمْكِنُه، ويفْعَلُ ما ذَكَرنا (٦). وكذلك مَنْ به جُرْحٌ يَفُورُ منه الدَّمُ، أو به رِيحٌ، أو نحوُ ذلك مِن الأحْدَاثِ مِمَّنْ لا يُمْكِنُه قَطْعُه عن نَفْسِه، فإنْ كان مِمَّا لا يُمْكِنُ عَصْبُه، مِثْل مَنْ به جُرْحٌ لا يُمْكِنُ شَدُّه، أو به باسُورٌ أو نَاصُورٌ لا يَتَمَكَّنُ مِن عَصْبِه، صَلَّى على حَسَبِ حالِه، كَمَا رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه حِيَن طُعِنَ صَلَّى وجُرْحُهُ يَثْعَبُ (٧) دَمًا.

فصل: ويَلْزَمُ كلَّ واحِدٍ مِن هؤلاء الوضُوءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ، إلَّا أنْ يَخْرُجَ منه شيءٌ، وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مالكٌ: لا يجبُ الوضُوءُ على المُسْتَحَاضَةِ. ورُوِىَ ذلك عن عِكْرِمَةَ ورَبِيعَةَ. واسْتَحَبَّ مالكٌ لِمَنْ به سَلَسُ البَوْلِ أنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أنْ يُؤْذِيَهُ البَرْدُ، فإن آذاهُ قال: فأرْجُو أنْ لا يكونَ عليه ضِيقٌ في تَرْكِ الوضُوءِ. واحْتَجُّوا بأنَّ في حديثِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيه عن عائشةَ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لفاطمةَ بِنْتِ أبِى حُبَيْشٍ: "فَاغْتَسِلِى


(٢) تقدم في صفحة ٣٩٢.
(٣) في م: "فإن".
(٤) تقدم في صفحة ٢٠١.
(٥) أخرجه النسائي، في: باب ترك الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ٨٧. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المستحاضة. . إلخ، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ٢٠٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٤٢، ١٣٧، ٢٠٤، ٢٦٢.
(٦) في م: "ذكر".
(٧) ثعب الماءَ والدم؛ كمنع: فجره، فانثعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>