للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجاهِدٍ. قال بعضُ أصحابِ الشافعىِّ. هو الذي يقْتَضِيه مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه ذهَبَ بمَنْفَعةٍ مَقْصُودةٍ، فوجَبت الدِّيَةُ، كما لو ذهبَ بجِمَاعِه، أو كما لو قطَعَ أُنْثَيَيْهِ أو رَضَّهما. ويَحْتَمِلُ أن لا تجبَ الدِّيَةُ كاملةً؛ لأنَّه لم يَذهبْ بالمَنْفَعةِ كلِّها.

١٤٩٥ - مسألة؛ قال: (وَفِى الذَّكَرِ الدِّيَةُ)

أجْمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ في الذَّكَرِ الدِّيَةَ. وفى كِتابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعَمْرو بن حَزْم: "وَفِى الذَّكَرِ الدِّيَةُ" (١). ولأنَّه عُضْوٌ واحدٌ فيه الجمالُ والمَنْفَعةُ، فكمَلَتْ فيه الدِّيَةُ، كالأنْفِ واللِّسانِ، وفى شَلَلِه دِيَتُه؛ لأنَّه ذهبَ بنَفْعِه، أشبَهَ ما لو أشلَّ لِسانَه. وتجبُ الدِّيَةُ في ذكرِ الصغيرِ والكبيرِ، والشَّيخِ والشَّابِّ، سواءٌ قَدَرَ على الجِماعِ أو لم يقْدِرْ. فأمَّا ذكرُ العِنِّين، فأكثرُ أهلِ العلمِ على وُجوبِ الدِّيَةِ فيه (٢)؛ لعُمومِ الحديثِ، ولأنَّه غيرُ مَأْيُوسٍ من جِماعِه، وهو عُضْوٌ سليمٌ في نَفْسِه، فكمَلَتْ دِيَتُه، كذكرِ الشَّيخِ. وذَكَرَ القاضي فيه عن أحمدَ رِوَايتَيْن؛ إحداهما، تجبُ فيه الدِّيَةُ؛ لذلك. والثانية؛ لا تَكْمُلُ دِيَتُه. وهو مذهبُ قَتادةَ؛ لأنَّ مَنْفعتَه الإِنْزالُ والإِحْبالُ والجِماعُ، وقد عُدِمَ ذلك منه في حالِ الكَمالِ، فلم تكْمُلْ دِيَتُه كالأَشلِّ، وبهذا فارقَ ذكرَ الصَّبىِّ والشَّيْخِ. واختلفَتِ الرِّوايةُ في ذَكَرِ الخَصِىِّ، فعنه فيه دِيَةٌ كاملةٌ. وهو قولُ سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، والشافعىِّ, وابنِ المُنْذِرِ؛ للخبرِ، ولأنَّ مَنْفعةَ الذَّكرِ الجِماعُ، وهو باقٍ فيه. والثانية، لا تجبُ فيه. وهو قولُ مالكٍ، والثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ، وقَتادةَ، وإسْحاقَ؛ لما ذكرْنا في ذَكَرِ العِنِّين، ولأنَّ المقْصودَ منه تحْصِيلُ النَّسْلِ، ولا يُوجَدُ ذلك منه، فلم تَكْمُلْ دِيَتُه، كالأشلِّ، والجِماعُ يذْهَبُ في الغالبِ؛ بدليلِ أنَّ البهائمَ يذهبُ جِماعُها بخِصَائِها، والفرقُ بين ذَكَرِ العِنِّين، وذكَرِ الخَصِىِّ، أنَّ الجِماعَ في ذكَرِ العِنِّين أبْعَدُ منه في ذكَرِ


(١) تقدم تخريجه في صفحة ٥.
(٢) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>