للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابُ الحُكْمِ في مَن تَرَكَ الصلاةَ

٣٢٩ - مسألة؛ قال: (ومَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، جَاحِدًا لَهَا، أوْ غَيْرَ جَاحِدٍ، دُعِىَ إلَيْهَا في وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإنْ صَلَّى، وإلَّا قُتِلَ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ تارِكَ الصلاةِ لا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ جَاحِدًا لِوُجُوبِها، أو غيرَ جاحِدٍ، فإن كان جَاحِدًا لِوُجُوبِها نُظِرَ فيه، فإنْ كان جاهِلًا به، وهو مِمَّنْ يَجْهَلُ ذلك، كالحَدِيثِ الإِسلامِ، والنَّاشئِ بِبَاديَةٍ، عُرِّفَ وُجُوبَها، وعُلِّمَ ذلك، ولم يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ. وإن لم يَكُنْ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذلك، كالنَّاشِئِ بينَ (١) المُسْلِمِينَ في الأمْصارِ والقُرَى، لم يُعْذَرْ، ولم يُقْبَلْ منه ادِّعاءُ الجَهْلِ، وحُكِمَ بِكُفْرِه؛ لأنَّ أَدِلَّةَ الوُجُوبِ ظاهِرَةٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، والمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَها على الدَّوامِ، فلا يَخْفَى وُجُوبُها على مَنْ هذا حالُه، فلا يَجْحَدُها إلَّا تَكْذِيبًا للهِ تعالى ولِرَسُولِهِ وإجْماعِ الأُمَّةِ، وهذا يَصِيرُ مُرْتَدًّا عن الإِسلامِ، وحُكْمُه حُكْمُ سَائِرِ المُرْتَدِّينَ، في الاسْتِتابَةِ والقَتْلِ، ولا أعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وإن تَرَكَها لِمَرَضٍ، أو عَجْزٍ عن أرْكانِها وشُرُوطِها، قِيلَ له: إنَّ ذلك لا يُسْقِطُ الصلاةَ، وإنَّه يَجِبُ عليه أنْ يُصَلِّىَ على حَسَبِ طاقَتِه. وإن تَرَكَها تهاوُنًا أو كَسَلًا، دُعِىَ إلى فِعْلِها، وقِيلَ له: إنْ صَلَّيْتَ، وإلَّا قَتَلْناكَ. فإن صَلَّى، وإلَّا وَجَبَ قَتْلُه. ولا يُقْتَلُ حتى يُحْبَسَ ثَلَاثًا، ويُضَيَّقَ عليه فيها، ويُدْعَى في وَقْتِ كل صَلَاةِ إلى فِعْلِها، ويُخَوَّفَ بالقَتْلِ، فإن صَلَّى، وإلَّا قُتِلَ بالسَّيْفِ. وبهذا قال مالِكٌ، وحَمَّادُ بن زيدٍ، وَوَكِيعٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال الزُّهْرِىُّ: يُضْرَبُ ويُسْجَنُ. وبه قال أبو حنيفةَ، قال: ولا يُقْتَلُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ إلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ:


(١) في أ، م: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>