للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَرَبِ، ولأنَّ تَغْلِيظَ (١٥) الكُفْرِ له أثرٌ في تَحَتُّمِ القَتْلِ، وكَوْنِه لا يُقَرُّ بالجِزْية، بدليلِ المُرْتَدِّ، وأمَّا الْمَجُوسُ، فإنَّ لهم شُبْهَةَ كتابٍ، والشُّبْهَةُ تَقُومُ مَقامَ الحقيقَةِ فيما يُبْنَى على الاحْتِياطِ، فَحَرُمَتْ دِماؤُهم للشُّبْهةِ (١٦)، ولم يثْبُتْ حِلُّ نِسَائِهم وذبائِحِهم؛ لأنَّ الحِلَّ لا يَثْبُتُ بالشُّبْهَةِ، ولأنَّ الشُّبْهَةَ لمَّا اقْتَضَت تَحْريمَ دمائِهم، اقْتَضَت تحْريمَ ذبائِحِهم ونِسائِهم، ليثْبُتَ التَّحْرِيمُ في المواضِعِ كلِّها، تَغْليبًا له على الإِباحَةِ، ولا نسلِّم أنّهم يُقَرُّونَ على دِينِهم بالاسْتِرْقاقِ.

١٦٢٩ - مسألة؛ قال: (ووَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ إذَا جَاءَ الْعَدُوُّ، أنْ يَنْفِرُوا؛ المُقِلُّ مِنْهُمْ، والمُكْثِرُ، ولا يَخْرُجُوا إلَى الْعَدُوِّ إلَّا بإذْنِ الْأَمِيرِ، إلَّا أنْ يَفْجأَهُم عَدُوٌّ غالِبٌ يخافُون كَلَبَهُ، فلا يُمْكِنُهُمْ أنْ يَسْتَأْذِنُوهُ)

قولُه: المُقِلُّ منهم والمُكْثِرُ. يعني (١) به - واللَّه أَعْلَم - الغَنِىَّ والفَقِيرَ، أي مُقِلٌّ من المالِ ومُكْثِرٌ منه، ومعناه أنَّ النَّفيرَ يَعُمُّ جميعَ الناسِ، ممَّنْ كان من أهلِ القتالِ، حينَ الحاجة إلى نَفيرِهم؛ لِمَجِىءِ العَدُوِّ إليهم، ولا يجوزُ لأحَدٍ التَّخَلُّفُ إلَّا مَنْ يُحْتاجُ إلى تَخَلُّفِه لحِفْظِ المكانِ والأهلِ والمالِ، ومَنْ يَمْنَعُه الأَميرُ من الخُروجِ، أو مَنْ لا قُدْرَةَ له على الخُروجِ أو القتالِ؛ وذلك لقولِ اللَّه تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (٢). وقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" (٣). وقد ذَمَّ اللهُ تعالى الذين أرادُوا الرُّجُوعَ إلى منازِلهِم يومَ الأَحْزابِ، فقال تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (٤). ولأَنَّهم إذا جاءَ العدوُّ، صارَ الجِهادُ عليهم فرضَ عَيْنٍ، فوَجَبَ على الجميعِ، فلم يَجُزْ لأحَدٍ التَّخَلُّفُ عنه، فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّهم لا يخْرُجونَ إلا بإذْنِ الأمِيرِ؛ لأنَّ أمْرَ الحَرْبِ مَوْكُولٌ إليه، وهو أَعْلَمُ بِكَثْرَةِ العَدُوِّ


(١٥) في أ: "تغلظ".
(١٦) سقط من: الأصل، ب، م.
(١) سقط من: أ.
(٢) سورة التوبة ٤١.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٧.
(٤) سورة الأحزاب ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>