للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاجَةٌ، طُمَّتْ عليه، فكانتْ قَبْرَه. وإن كان طَمُّها يَضُرُّ بالمارَّةِ، أُخْرِجَ بالكَلَالِيبِ، سَوَاءٌ أفْضَى إلى المُثْلَةِ أو لم يُفْضِ؛ لأنَّ فيه جَمْعًا بين حُقُوقٍ كَثِيرَةٍ؛ نَفْعِ المَارَّةِ، وغُسْلِ المَيِّتِ، ورُبَّما كانت المُثْلَةُ في بَقَائِه أعْظَمَ؛ لأنَّه يَتَقَطَّعُ ويَنْتِنُ. فإن نَزَلَ على البِئْرِ قَوْمٌ، فاحْتاجُوا إلى الماءِ، وخَافُوا على أَنْفُسِهم، فلهم (٧) إخْرَاجُه، وَجْهًا وَاحِدًا، وإن حَصَلَتْ مُثْلَةٌ؛ لأنَّ ذلك أسْهَلُ من تَلَفِ نُفوسِ الأحْياءِ، ولهذا لو لم يَجِدْ من السُّتْرَةِ إلَّا كَفَنَ المَيِّتِ، واضْطُرَّ الحَىُّ إليه، قُدِّمَ الحَىُّ، ولأنَّ حُرْمَةَ الحَىِّ، وحِفْظَ نَفْسِه، أوْلَى من حِفْظِ الميِّتِ (٨) عن المُثْلَةِ. لأنَّ زوالَ الدُّنْيا أهْوَنُ على اللهِ من قَتْلِ مُسْلِمٍ، ولأنَّ المَيِّتَ لو بَلَعَ مالَ غيرِه شُقَّ بَطْنُه (٩) لِحِفْظِ مالِ الحَىِّ، وحِفْظُ النَّفْسِ أولى من حِفْظِ المالِ، واللهُ أعلمُ.

٣٨٤ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ كَانَ شَارِبُهُ طَوِيلًا أُخِذَ، وجُعِلَ مَعَهُ)

وجُمْلَتُه أنَّ شَارِبَ المَيِّتِ إن كان طَوِيلًا اسْتُحِبَّ قَصُّهُ. وهذا قولُ الحسنِ، وبَكْرِ بنِ عبدِ اللهِ، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وإسحاقَ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: لا يُؤْخَذُ من المَيِّتِ شَىْءٌ لأنَّه (١) قَطْعُ شيءٍ منه فلم يُسْتَحَبَّ، كالخِتانِ. واخْتَلَفَ أصْحابُ الشَّافِعِىِّ كالقَوْلَيْنِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ كَمَا (٢) تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ" (٣). والعَرُوسُ يُحَسَّنُ، ويُزالُ عنه ما يُسْتَقْبَحُ من الشَّارِبِ وغيرِه، ولأنَّ تَرْكَهُ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ، فشُرِعَتْ إزالَتُه، كَفَتْحِ عَيْنَيْهِ وفَمِهِ شُرِعَ ما يُزِيلُه، ولأنَّه فِعْلٌ مَسْنُونٌ في الحَياةِ لا مَضَرَّةَ فيه، فشُرِعَ بعدَ المَوْتِ، كالاغْتِسالِ.


(٧) في أ: "لزم".
(٨) في أ، م: "الحى".
(٩) في أ: "جوفه".
(١) في م: "فإنه".
(٢) في الأصل: "ما".
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>