للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِرادةِ، أشْبَهَ المُكْرَه، ولأنَّ العقلَ شرطُ التَّكْليفِ (٦)؛ إذ هو عبارةٌ عن الخطابِ بأمْرٍ أو نَهْىٍ، لا يَتوجَّهُ ذلك إلى مَنْ لا يَفْهَمُه، ولا فرقَ بين زوالِ الشَّرْطِ بمَعْصِيَةٍ أِو غيرِها؛ بدليلِ أَنَّ مَن كسَرَ ساقَيْه جازَ له أن يُصلِّىَ قاعدًا، ولو ضرَبتِ المرأةُ بطنَها، فنَفِسَتْ، سقَطتْ عنها الصَّلاةُ، ولو ضربَ رأسَه فجُنَّ، سقطَ التَّكليفُ. وحديثُ أبى هريرة لا يَثْبُتُ، وأمَّا قَتْلُه وسَرِقتُه، فهو كمسْألتِنا.

فصل: والحُكمُ فى عِتْقِه، ونذرِه، وبَيْعِه، وشِرَائِه، ورِدَّتِه، وإقْرارِه، وقَتْلِه، وقَذْفِه، وسَرِقَتِه، كالحُكمِ فى طَلاقِه؛ لأنَّ المعنى فى الجميعِ واحدٌ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ فى بيعِه وشرائِه الرِّواياتُ الثَّلاثُ. وسأله ابنُ منصورٍ: إذا طلقَ السّكرانُ، أو سَرَقَ، أو زَنَى، أو افْتَرى، أو اشْتَرى، أو باعَ. فقال: أجْبُنُ عنه، لا يَصِحُّ مِن أمرِ السَّكرانِ شىءٌ. وقال أبو عبدِ اللَّهِ ابنُ حامد: حُكمُ السَّكْرانِ حُكْمُ الصَّاحِى فيما له وفيما عليه؛ فأمَّا فيما له وعليه، كالبيعِ، والنِّكاحِ، والمُعَاوَضَاتِ، فهو كالمجنونِ، لا يَصِحُّ له شىءٌ. وقد أوْمأَ إليه أحمدُ، والأَوْلَى أن مالَه أيضًا لا يَصِحُّ منه؛ لأنَّ تَصْحِيحَ تَصرُّفاتِه فيما عليه مُؤَاخَذَةْ له، وليس مِنَ المؤاخذةِ تصْحِيحُ تَصرُّفٍ له.

فصل: وحَدُّ السُّكْرِ الذى يَقعُ الخلافُ فى صاحبِه، هو الذى يَجْعلُه يَخْلِطُ فى كلامِه، ولا يَعْرِفُ رِدَاءَه مِن رداءِ غيرِه، ونَعْلَه مِن نعلِ غيرِه، ونحوه؛ ذلك لأنَّ اللَّه تعالى قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (٧). فجَعَلَ علامةَ زَوَالِ السُّكرِ عِلْمَه ما يَقولُ. ورُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: اسْتَقْرِئُوه القرآنَ، أو ألْقُوا رداءَه فى الأرْدِيَةِ، فإنْ قرأ أُمَّ القرآنِ، أو عَرَفَ رداءَه، وإلَّا فأقِمْ عليه الحَدَّ (٨). ولا يُعْتَبَرُ أن لا يَعرِفَ السَّماءَ مِنَ الأَرضِ، ولا الذَّكرَ مِنَ الأُنثَى؛ لأنَّ ذلك لا يَخْفَى على المجنونِ، فعليه أَوْلَى.

١٢٥٤ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِىُّ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَ، لَزِمَهُ)

أمَّا الصَّبِىُّ الذى لا يَعْقِلُ؛ فلا خلافَ فى أنَّه لا طلاقَ له، وأمَّا الذى يَعقِلُ (١)


(٦) فى ب، م: "للتكليف".
(٧) سورة النساء ٤٣.
(٨) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب الريح، من كتاب الأشربة. المصنف ٩/ ٢٢٩.
(١) فى الأصل: "يعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>