للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لصِحَّةِ إِسْلامِه شَرْطَيْن؛ أحدُهما، أنْ يكونَ له عشرُ سِنِينَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ بضَرْبِه على الصَّلاةِ لعَشْرٍ (١١). والثانى، أن يَعْقِلَ الإِسلامَ. ومعناه أن يَعْلَمَ أنَّ اللهَ تعالى ربُّه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه. وهذا لا خلافَ في اشْتِراطِه. فإنَّ الطِّفْلَ الذي لا يَعْقِلُ، لا يتحَقَّقُ منه اعْتقادُ الإِسلامِ، وإنما كلامُه لَقْلَقَةٌ بلسانِه، لا يدُلُّ على شيءٍ. وأمَّا اشْتراطُه (١٢) العَشْرَ، فإنَّ أكثرَ المُصَحِّحين لإِسْلامِه، لم يشْترِطُوا ذلك، ولم يَحُدُّوا له حَدًّا من السِّنِين. وحكاه ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ؛ لأنَّ المقصُودَ متى ما حصَلَ، لا حاجةَ إلى زيادةٍ عليه. ورُوِىَ عن أحمدَ، إذا كانَ ابنَ سَبْعِ سِنِينَ، فإسْلامُه إسْلامٌ؛ وذلك لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مُرُوهُمْ بالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ" (١١). فدَلَّ على أنَّ ذلك حَدٌّ لأَمْرِهم، وصِحَّةِ عِبادَاتِهم، فيكونُ حَدًّا لِصِحَّةِ إسلامِهم. وقال ابنُ أبي شَيْبَةَ: إذا أسْلَمَ وهو ابنُ خَمسِ سِنِينَ، جُعِلَ إسلامُه إسلامًا. ولعلَّه يقولُ: إنَّ عليًّا أسلمَ وهو ابنُ خَمْسِ سِنِينَ؛ لأنَّه قد قِيلَ: إنَّه ماتَ وهو ابنُ ثمانٍ وخمسينَ. فعلَى هذا يكونُ إسْلامُه، وهو ابنُ خمسٍ؛ لأنَّ مُدَّةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- منذُ بُعِثَ إلى أنْ ماتَ ثلاث وعشرون سنةً، وعاشَ علىٌّ بعدَ (١٣) ذلك ثلاثين سنةً؛ فذلك ثلاثٌ وخمسونَ، فإذا ضَمَمْتَ إليها خَمسًا، كانت ثَمانيةً وخمسين. وقال أبو أيُّوبَ: أُجِيزُ إسْلامَ ابنِ ثلاثِ سِنِينَ، مَنْ أصابَ الحقَّ مِنْ صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ أَجَزْناه. وهذا لا يكادُ يَعْقِلُ الإِسلامَ، ولا يَدْرِى ما يقولُ، ولا يثبتُ لقولِه حُكْمٌ، فإنْ (١٤) وُجِدَ ذلك منه وَدَلَّتْ أحوالُه وأقوالُه على معرفةِ الإِسلامِ، وعَقْلِه إيَّاهُ، صَحَّ منه كغيرِه. واللهُ أعلمُ.

١٥٤٣ - مسألة؛ قال: (فإنْ رَجَعَ، وقالَ: لَمْ أدْرِ مَا قُلْتُ. لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وأُجْبِرَ عَلَى الإِسْلَامِ)

وجملتُه أنَّ الصَّبِىَّ إذا أسْلَمَ، وحكمْنَا بصِحَّةِ إسلامِه، لمعرِفَتِنا بعَقْلِه بأدِلَّتِه،


(١١) تقدم تخريجه، في: ٢/ ٣٥٠.
(١٢) في الأصل: "اشتراط".
(١٣) في الأصل: "بعده".
(١٤) في ب، م: "فإنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>