للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْضَةٌ، فَصَحَّتْ من الصَّبِىِّ العاقِلِ، كالصلاةِ والحَجِّ، ولأنَّ اللَّه تعالى دَعا عبادَه إلى دارِ السَّلامِ، وجعل طريقَها الإِسلامَ، وجعلَ من لم يُجِبْ دَعْوتَه في الجحيمِ والعَذابِ الأليمِ، فلا يجوزُ مَنْعُ الصَّبِىِّ مِنْ إجابَةِ دَعْوَةِ اللهِ، مع إجابتِه إليها، وسُلوكِه طَرِيقَها، ولا إلزامُه بعذابِ اللهِ، والحكمُ عليه بالنَّارِ، وسدُّ طريقِ النَّجاةِ عليه مع هَرَبِه منها، ولأنَّ ما ذكَرْنَاه إجْماعٌ، فإنَّ عليًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، أسْلَم صَبِيًّا، وقال (٨):

سَبَقْتُكُمُ إلى الإِسلامِ طُرًّا ... صَبِيًّا ما بَلَغْتُ أَوانَ حُلْمِى (٩)

ولهذا قِيلَ: أوَّلُ من أَسْلَمَ من الرِّجالِ أبو بكرٍ، ومن الصِّبيانِ علىٌّ، ومن النِّساءِ خَدِيجَةُ، ومن العَبِيدِ بلالٌ. وقال عُرْوَةُ: أسْلَمَ علىٌّ والزُّبَيْرُ، وهما ابنا ثمانِ سِنِينَ، وبايعَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابنُ الزُّبَيْرِ لسَبْعِ أو ثمانِ سِنِينَ، ولم يَرُدَّ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أحَدٍ إسْلَامَه، من صَغِيرٍ ولا كَبِيرٍ. فأمَّا قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ". فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّ هذا يقْتَضِى أنْ لا يُكْتَبَ عليه ذلك، والإِسلامُ يُكْتَبُ له لا عليه، ويَسْعَدُ به في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فهو كالصلاةِ تَصِحُّ منه وتُكْتَبُ له وإنْ لم تَجِبْ عليه، وكذلك غيرُها من العباداتِ المَحْضَةِ. فإن قِيل: فإنَّ الإِسلامَ يُوجِبُ الزَّكاةَ عليه في مالِه، ونَفقةَ قَرِيبِه المُسْلِمِ، ويَحْرِمُه مِيرَاثَ قَريبه الكَافِرِ، ويَفْسَخُ نكاحَه. قُلْنا: أَمَّا الزَّكاةُ فإنَّها نَفْعٌ؛ لأنَّها سَبَبُ الزِّيادةِ والنَّماءِ، وتَحْصِينِ المالِ والثوابِ، وأمَّا الميراثُ والنَّفَقةُ، فأَمرٌ مُتَوَهَّمٌ، وهو مَجْبُورٌ بميرَاثِه من أقاربِه المسلمينَ، وسُقوطِ نَفَقَةِ أقارِبِه الكُفَّارِ، ثم إنَّ هذا الضَّرَرَ مَغْمُورٌ في جَنْبِ مَا يَحْصُلُ له من سعادةِ الدنيا والآخِرَةِ، وخَلاصِه من شَقاءِ الدَّارَيْنِ والخُلودِ في الجحيمِ، فيُنَزَّلُ ذلك (١٠) منْزِلَةَ الضَّرَرِ في أكْلِ القُوتِ، المُتضمِّنِ قُوتَ ما يأكلُه وكُلْفَةَ تَحْريكِ فِيه لمَّا كان بَقاؤُهُ به لم يُعَدَّ ضَرَرًا، والضَّرَرُ في مَسْألتِنا في جَنْبِ ما يحصُلُ من النَّفْعِ، أدْنَى من ذلك بكثيرٍ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الْخِرَقِىَّ اشْترَطَ


(٨) البيت ضمن أبيات له في: البداية والنهاية ٨/ ٩.
(٩) في ب، م: "حلم".
(١٠) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>