للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرائِضِ والْجُمَعِ والحَجِّ والقتالِ؛ لأنَّها عِبادَةٌ (١) تَعَيَّنَت عليه، فلم يُعْتَبَرْ إذْنُ الأَبَوَيْنِ فيها، كالصلاةِ، ولأنَّ اللهَ تعالَى قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (٢). ولم يشْتَرِطْ إِذْنَ الوالِدَيْن.

فصل: وإن خرجَ في جِهادِ تَطَوُّعٍ بإِذنِهِما، فمَنَعَاهُ مِنْه بَعْدَ سَيْرِه وقبلَ وُجُوبِه، فعليه الرُّجوعُ، لأنَّه معنًى لو وُجِدَ في الابْتداءِ مَنَعَ، فإذا وُجِدَ في أثْنائِه مَنَعَ، كسائِرِ الْمَوانِعِ، إلَّا أَنْ يخافَ على نَفْسِه في الرُّجُوعِ، أو يَحْدُثَ له عذْرٌ، من مرضٍ أو ذهابِ نفقَةٍ أو نحوِه، فإنْ أمكَنَهُ الإِقامةُ في الطريقِ، وإلَّا مضَى مع الجيشِ، فإذا حضَر الصَفَّ، تعَيَّنَ عليه بحُضُورِه، ولم يبْقَ لهما إذْنٌ. وإنْ كان رُجوعُهما عن الإِذْن بعد تَعيُّنِ الجِهاد عليه، لم يُؤَثِّرْ رُجوعُهما شيئا. وإنْ كانا كافِرَيْن، فأَسْلما ومَنَعاهُ، كان ذلك كمَنْعِهِما بعدَ إِذْنِهِما، سواءٌ. وحُكْمُ الغَريمِ يأْذَنُ في الجِهاد ثم يَمْنَعُ منه، حُكْمُ الوالدِ، على ما فصَّلْناه. فأمَّا إنْ حَدَثَ للإِنْسانِ في نفْسِه عُذْرٌ؛ من مرضٍ أو عَمًى أو عَرَجٍ، فله الانْصِرافُ، سواءٌ الْتَقَى الزَّحْفانِ، أو لم يَلْتَقِيَا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه القتالُ، ولا فائدة في مُقامِه.

فصل: وإنْ أذِنَ له والداه في الغَزْوِ، وشَرَطا عليه أنْ لا يُقاتِلَ، فحضَرَ القتالَ، تَعَيَّنَ عليه، وسَقَطَ شَرْطُهما. كذلك قال الأَوزَاعِيُّ، وابن المُنْذِرِ؛ لأنَّه صارَ واجبًا عليه، فلم يَبْقَ لهما في ترْكِه طاعةٌ. ولو خرَجَ بغير إِذْنِهما، فحضَرَ القتالَ، ثم بَدَا له الرُّجوعُ، لم يَجُزْ له ذلك.

فصل: ومَنْ عليه ديْنٌ حالٌّ أو مُؤَجَّلٌ، لم يجُزْ له الخروجُ إلى الغَزْوِ إلَّا بإذْنِ غَرِيمِه، إلَّا أنْ يَتْرُكَ وفاءً، أو يُقيمَ به كفيلًا، أو يُوَثِّقَه برَهْنٍ. وبهذا قال الشافِعِىُّ، ورَخَّصَ مالكٌ في الغَزْوِ لمنْ لا يَقْدِرُ على قَضاءِ (٣) دَيْنِه؛ لأنَّه لا تَتَوجَّهُ المُطالبةُ به ولا حَبْسُه من


(١) سقط من: الأصل.
(٢) سورة آل عمران ٩٧.
(٣) في م: "القضاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>