للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمْهُ ذلك. وإن أجَازَ البَيْعَ لِيَمْلِكَ نِصْفَ الثَّوْبِ، انْبَنَى على بَيْعِ الفُضُولِىِّ، هل يَقِفُ على الإِجَازَةِ أَو لا؟ وإن أخَّرَ أحَدُهُما حَقَّه من الدَّيْنِ، جازَ؛ فإِنَّه لو أسْقَطَ حَقَّهُ جازَ، فتَأْخِيرُه أَوْلَى. فإن قَبَضَ الشَّرِيكُ بعدَ ذلك شيئا، لم يكُنْ لِشَرِيكِه الرُّجُوعُ عليه بشيءٍ. ذَكَرَه القاضي. والأَوْلَى أنَّ له الرُّجُوعَ؛ لأنَّ الدَّيْنَ الحالَّ لا يَتَأَجَّلُ بالتَّأْجِيلِ؛ فوُجُودُ التَّأْجِيلِ كعَدَمِه. فأمَّا إن قُلْنا بالرَّوَايةِ الأُخْرَى، وأنَّ ما يَقْبِضُهُ (٢٨) أحَدُهُما له دونَ صَاحِبه، فوَجْهُها أنَّ ما في الذِّمَّةِ لا يَنْتَقِلُ إلى العَيْنِ إلَّا بِتَسْلِيمِه إلى غَرِيمِه (٢٩) أو وَكِيلِه، وما قَبَضَهُ أحَدُهما فليس لِشَرِيكِه فيه قَبْضٌ، ولا لِوَكِيلِه، فلا يَثْبُتُ له فيه حَقٌّ، وكان لِقَابِضِه؛ لِثُبُوتِ يَدِه عليه بِحَقٍّ، فأشْبَهَ ما لو كان الدَّيْنُ بِسَبَبَيْنِ. وليس هذا قِسْمَةَ الدَّيْنِ في الذِّمَّةِ، وإنما تَعَيَّنَ حَقُّه بقَبْضِه، فأشْبَه تَعْيِينَه بالإِبْرَاءِ، ولأنَّه لو كان لغيرِ القابِضِ حَقٌّ في المَقْبُوضِ، لم يَسْقُطْ بِتَلَفِه، كسائِر الحُقُوقِ، ولأنَّ هذا القَبْضَ لا يَخْلُو إمَّا أن يكونَ بِحَقٍّ أو بغيرِ حَقٍّ، فإن كان بحَقٍّ، لم يُشَارِكْهُ غيرُه فيه، كما لو كان الدَّيْنُ بِسَبَبَينِ، وإن كان بغير حَقٍّ، لم يكُنْ له مُطَالَبَتُه؛ لأنَّ حَقَّهُ في الذِّمَّةِ لا في العَيْنِ، فأشْبَهَ ما لو أخَذَ غاصِبٌ منه مالًا، فعلى هذا ما قَبَضَه القابِضُ يَخْتَصُّ به دُونَ شَرِيكِه، وليس لِشَرِيكِه الرُّجُوعُ عليه. وإن اشْتَرَى بِنَصِيبِه ثَوْبًا، صَحَّ، ولم يكُنْ لِشَريكِه إبْطَالُ الشِّرَاءِ. وإن قَبَضَ أكْثَرَ من حَقِّه بغيرِ إذْنِ شَرِيكِه، لم يَبْرَأ الغَرِيمُ ممَّا زَادَ على حَقِّه.

فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوَايةُ عن أحمدَ، في قِسْمَةِ الدَّيْنِ في الذِّمَمِ، فنَقَلَ حَنْبَلٌ مَنْعَ ذلك. وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّ الذِّمَمَ لا تَتَكَافَأُ ولا تَتَعادَلُ، والقِسْمَةُ تَقْتَضِى التَّعْدِيلَ. وأما القِسْمَةُ من غير تَعْدِيلٍ فهى بَيْعٌ، ولا يجوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ. فعلى هذا لو تَقَاسَما، ثم تَوِىَ (٣٠) بعضُ المالِ، رَجَعَ من تَوِىَ مالُه على مَن لم يَتْوَ. وبهذا قال ابنُ سِيرِينَ، والنَّخَعِىُّ. ونَقَلَ حَرْبٌ جَوازَ ذلك؛ لأنَّ الاخْتِلافَ لا يَمْنَعُ القِسْمَةَ، كما لو اخْتَلَفَتِ


(٢٨) في م: "قبضه".
(٢٩) في أ: "غيره".
(٣٠) توى: هلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>