الدَّمُ في زَمَنِ العادَةِ، لم يَطَأْها، نَصَّ عليه؛ لأنَّه زَمَنٌ صَادَفَ زَمَنَ الحَيْضِ، فلم يَجُزِ الوَطْءُ فيه كما لو لم يَنْقَطِعْ. وعنه: لا بَأْسَ بِوَطْئِها. قال الخَلَّالُ: الأحْوَطُ في قَوْلِه، على مَا اتَّفَقُوا عليه دُونَ الأَنْفُسِ الثَّلَاثَةِ، أنَّه لا يَطَؤُها.
قَوْلُه:"اسْتَمَرَّ بها الدَّمُ". يَعْنِى زاد على أكْثَرِ الحَيْضِ. وقولُه:"لَمْ يَتَمَيَّزْ". يَعْنِى لم يَكُنْ دَمُها مُنْفَصِلًا، على الوَجْهِ الَّذِى ذَكَرْنَاه. فهذه حُكْمُها، أنْ تَجْلِسَ في كُلَّ شَهْرٍ سِتَّةَ أيَّامٍ أو سَبْعَةً. وقَدْ ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ عِلَّتَهُ، وهى أنَّ الغَالِبَ مِن النِّسَاءِ هكذا يَحِضْنَ. والظَّاهِرُ أنَّ حَيضَ هذه كحَيْضِ غَالِبِ النِّسَاءِ، فَيَجِبُ رَدُّها إليه، كَرَدِّها في الوَقْتِ إلى حَيْضَةٍ في كُلِّ شَهْرٍ. وهذا أحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ، وعن أحمدَ أنَّها تَجْلِسُ يومًا وليلةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وهذا القَوْلُ الثَّانِى لِلشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ ذلك اليَقِينُ، وما زاد عليه مَشْكُوكٌ فيه. فلا تَزُولُ عن اليَقِينِ بالشَّكِّ. وعنه رِوَايَة ثَالِثَة: أنَّها تَجْلِسُ أكْثَرَ الحَيْضِ. وهو مذهبُ أبى حنيفة؛ لأنَّه زَمَانُ الحَيْضِ، فإذا رَأَتِ الدَّمَ فيه جَلَسَتْهُ، كالمُعْتَادَةِ. وعنه أنَّها تَجْلِسُ عادَةَ نِسَائِها، وهو قَوْلُ عَطَاء، والثَّوْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ؛ لأنَّ الغَالِبَ أنَّها تُشْبِهُهُنَّ في عَادَتِهِنَّ. والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَدَّهَا إلى سِتٍّ أو سَبْعٍ، ولم يَرُدَّها إلى اليَقِينِ، ولا إلى عَادَةِ نِسَائِها، ولا إلى أكْثَرِ الحَيْضِ، ولأنَّ هذه تُرَدُّ إلى غَالِبِ عادَاتِ النَّسَاءِ في وَقْتِها؛ لِكَوْنِها تَجْلِسُ في كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً؛ فكذلك في عَدَدِ أيَّامِها، وبهذا يَبْطُلُ ما ذكرْنَاه لِلْيَقِينِ، ولِعَادَةِ نِسَائِها.
فصل: وهَلْ تُرَدُّ إلى ذلك إذا اسْتَمَرَّ بها الدَّمُ في الشَّهْرِ الرَّابِعِ أو الثَّانِى؟ المنصوصُ أَنَّها لَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أو سَبْعٍ إلَّا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ؛ لأنَّا لم نُحَيِّضْها أكْثَرَ مِنْ ذلك إذا لم تكنْ مُسْتَحَاضَةً. فأوْلَى أنْ نَفْعَلَ ذلك إذا كانَتْ مُسْتَحاضَةً. قال القاضي: ويَحْتَمِلُ أنْ تَنْتَقِلَ إليها في الشَّهْرِ الثَّانِى بغيرِ تَكْرَارٍ؛ لأنَّنا قد عَلِمْنَا اسْتِحَاضَتَها، فلا مَعْنَى لِلتَّكْرَارِ في حَقِّها.