للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْرِفَةُ قَدْرِه، وخُرُوجُه مِن الجَهَالَةِ، وإمكانُ تَسْلِيمِه من غير تَنَازُعٍ، فبأيِّ قَدْرٍ قَدَّرَهُ جَازَ. ويُفَارِقُ بَيْعَ الرَّبَوِيّاتِ؛ فإنَّ التماثُلَ فيها في المَكِيلِ كَيْلًا وفى المَوْزُونِ وَزْنًا، شَرْطٌ، ولا نَعْلَمُ هذا الشَّرْطَ إذا قَدَّرَها بغيرِ مِقْدَارِها الأَصْلِىّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الحُبُوبَ كلَّها مَكِيلَةٌ، وكذلك التَّمْرُ والزَّبِيبُ والفُسْتُقُ والبُنْدُقُ والمِلْحُ. قال القاضي: وكذلك الأدْهانُ. وقال في السَّمْنِ واللَّبَنِ والزُّبْدِ: يجوزُ السَّلَمُ فيها كَيْلًا وَوَزْنًا. ولا يُسْلِمُ في اللِّبَإِ إلَّا وَزْنًا؛ لأنَّه يَجْمُدُ عَقِيبَ حَلْبِه، فلا يَتَحَقَّقُ الكَيْلُ فيه.

فصل: فإن كان المُسْلَمُ فيه ممَّا لا يمكنُه وَزْنُه بالمِيزَانِ لِثِقَلِه، كالأَرْحِيَةِ والحِجَارَةِ الكِبَارِ، يُوزَنُ بالسَّفِينَةِ، فَتُتْرَكُ السَّفِينَةُ في الماءِ، ثم يُتْرَكُ ذلك فيها فيَنْظُرُ إلى أي مَوْضِعٍ تَغُوصُ، فَيُعَلِّمَهُ، ثم يُرْفَعُ ويُتْرَكُ مَكَانَه رَمْلٌ أو حِجَارَةٌ صِغَارٌ، إلى أن يَبْلُغَ الماءُ المَوْضِعَ الذي كان بَلَغَهُ، ثم يُوزَن بمِيزَانٍ. فما بَلَغَ فهو زِنَةُ ذلك الشىءِ الذي أُرِيدَ مَعْرِفَةُ وَزْنِه.

فصل: ولا بُدَّ من تَقْدِيرِ المَذْرُوعِ بالذَّرْعِ، بغير خِلَافٍ نَعْلَمُه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ في الثِّيَابِ بِذَرْعٍ مَعْلُومٍ.

فصل: وما عدا المَكِيلَ والمَوْزُونَ والحَيَوانَ والمَذْرُوعَ، فعلى ضَرْبَيْنِ: مَعْدُودٍ، وغيرِه، فالمَعْدُودُ نَوْعَانِ؛ أحدُهما، لا يَتَبَايَنُ كَثِيرًا، كالجَوْزِ والبَيْضِ ونحوِهما، فيُسْلِمُ فيه عَدَدًا. وهو قول أبى حنيفةَ والأَوْزَاعِىِّ. وقال الشَّافِعِيُّ: يُسْلِمُ فيهما كَيْلًا أو وَزْنًا، ولا يَجوزُ عَدَدًا؛ لأنَّ ذلك يَتَبَايَنُ ويَخْتَلِفُ، فلم يَجُزْ عَدَدًا، كالبِطِّيخِ. ولَنا، أنَّ التَّفَاوُتَ يَسِيرٌ، ويَذْهَبُ ذلك بِاشْتِرَاطِ الكِبَرِ أو الصِّغَرِ أو الوَسَطِ، فيَذْهَبُ التَّفَاوُتُ، وإن بَقِىَ شيءٌ يَسِيرٌ عُفِىَ عنه، كسائِرِ التَّفَاوُتِ في المَكِيلِ والمَوْزُونِ المَعْفُوِّ عنه، ويُفَارِقُ البِطِّيخَ؛ فإنَّه ليس بِمَعْدُودٍ، والتَّفَاوُتُ فيه كَثِيرٌ لا يَنْضَبِطُ. النَّوْعُ الثانى، ما يَتَفَاوَتُ؛ كالرُّمَّانِ والسَّفَرْجَلِ والقِثَّاءِ والخِيَارِ، فهذا حُكْمُه حُكْمُ ما ليس بِمَعْدُودٍ من البِطِّيخِ والبُقُولِ، ففيه وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>