للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتَجَمَ باللَّيْلِ. كذلك رَوَاهُ الجُوزَجَانِيّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه عَلِمَ نَسْخَ الحَدِيثِ الذى رَوَاهُ. ويَحْتَمِلُ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ فأفْطَرَ، كما رُوِىَ عنه عليه السَّلَامُ أنَّه قَاءَ فأفْطَرَ (١٢). فإن قِيلَ: فقد رُوِىَ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَي الحاجِمَ والمُحْتَجِمَ يغْتَابَانِ، فقالَ ذلك، قُلْنا: لم تَثْبُتْ صِحَّةُ هذه الرِّوَايَةِ، مع أنَّ اللَّفْظَ أعَمُّ من السَّبَبِ، فَيجِبُ الأخْذُ (١٣) بعُمُومِ اللَّفْظِ [دونَ خُصوصِ] (١٤) السَّبَبِ، على أنَّنا قد ذَكَرْنَا الحَدِيثَ الذى فيه بَيَانُ عِلَّةِ النَّهْيِّ عن الحِجَامَةِ، وهى الخَوْفُ من الضَّعْفِ، فيَبْطُلُ التَّعْلِيلُ بِسِوَاهُ (١٥)، أو يكونُ كُلُّ واحِدٍ منهما عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. على أنَّ الغِيبَةَ لا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ إجْمَاعًا، فلا يَصِحُّ حَمْلُ الحَدِيثِ على ما يُخَالِفُ الإجْماعَ. قال أحمدُ: لأنْ يكونَ الحَدِيثُ كما جاء عن النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ" (١٦) أحَبُّ إلينا من أن يكونَ من الغِيبَةِ؛ لأنَّ من أرَادَ أن يَمْتَنِعَ من الحِجامَةِ امْتَنَعَ، وهذا أشَدُّ على الناسِ، مَن يَسْلَمُ من الغِيبَةِ! فإن قيل: فإذا كانت عِلَّةُ النَّهْي ضَعْفَ الصَّائِمِ بها فلا يَقْتَضِي ذلك الفِطْرَ، وإنَّما يَقْتَضِي الكَرَاهَةَ، ومَعْنَى قوله: "أفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ" أى قَرُبَا من الفِطْرِ. قُلْنا: هذا تَأْوِيلٌ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ، على أنَّه لا يَصِحُّ ذلك في حَقِّ الحاجِمِ، فإنَّه لا ضَعْفَ فيه (١٧).

الفصل الثالث، أنَّه يُفْطِرُ بكُلِّ ما أدْخَلَهُ إلى جَوْفِه، أو مُجَوَّفٍ في جَسَدِهِ،


(١٢) أخرجه أبو داود، في: باب الصائم يستقىء عامدا، من كتاب الصيام، سنن أبي داود: ١/ ٥٥٥. والدارمي، في: باب القىء للصائم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي ٢/ ١٤. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٩٥، ٢٧٦، ٢٧٧، ٢٨٣، ٦/ ٤٤٣.
(١٣) في م: "العمل".
(١٤) في م: "لا بخصوص".
(١٥) في م: "بما سواه".
(١٦) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(١٧) في الأصل بعد هذا زيادة: "ونحو ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>