أمَّا إذا طِيفَ به مَحْمُولًا لِعُذْرٍ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أن يَقْصِدَا جَمِيعًا عن المَحْمُولِ، فيَصِحَّ عنه دُونَ الحامِلِ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ، أو يَقْصِدَا جَمِيعًا عن الحامِلِ، فيَقَعَ عنه أيضا، ولا شىْءَ لِلْمَحْمُولِ، أو يَقْصِدَ كُلُّ واحِدٍ منهما الطَّوَافَ عن نَفْسِه، فإنَّه يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ دُونَ الحامِلِ. وهذا أحَدُ قَوْلَى الشَّافِعِيِّ، والقَوْلُ الآخَرُ، يَقَعُ لِلْحَامِلِ؛ لأنَّه الفاعِلُ. وقال أبو حنيفةَ: يَقَعُ لهما؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما طائِفٌ بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، فأجْزَأ الطَّوَافُ عنه، كما لو لم يَنْوِ صَاحِبُه شيئا، ولأنَّه لو حَمَلَهُ بِعَرَفَات، لكان الوُقُوفُ عنهما، كذا هاهُنا. وهذا القَوْلُ حَسَنٌ. وَوَجْهُ الأوَّلِ أنَّه طَوَافٌ أجْزَأهُ عن المَحْمُولِ، فلم يَقَعْ عن الحامِلِ، كما لو نَوَيَا جميعا المَحْمُولَ، ولأنَّه طَوَافٌ واحِدٌ، فلا يَقَعُ عن شَخْصَيْنِ، والرَّاكِبُ لا يَقَعُ طَوَافُه إلَّا عن واحِدٍ. وأمَّا إذا حَمَلَهُ بعَرَفَةَ (١)، فما حَصَلَ الوُقُوفُ بالحَمْلِ، فإنَّ المَقْصُودَ الكَوْنُ في عَرَفَات، وهما كائِنَانِ بها، والمَقْصُودُ هاهُنا الفِعْلُ، وهو واحِدٌ، فلا يَقَعُ عن شَخْصَيْنِ، ووُقُوعُه عن المَحْمُولِ أوْلَى؛ لأنَّه لم يَنْوِ بِطَوَافِه إلّا لِنَفْسِه، والحامِلُ لم يُخْلِصْ قَصْدَهُ بالطَّوافِ لِنَفْسِه، فإنَّه لو لم يَقْصِدِ الطَّوَافَ بالمَحْمُولِ لَما حَمَلَهُ، فإنَّ تمَكُّنَه من الطَّوَافِ لا يَقِفُ على حَمْلِه، فصارَ المَحْمُولُ مَقْصُودًا لهما، ولم يَخْلُصْ قَصْدُ الحامِلِ لِنَفْسِه، فلم يَقَعْ عنه، لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. وقال أبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ، في "شَرْحِه": لا يُجْزِئ الطَّوَافُ عن واحِدٍ منهما؛ لأنَّ فِعْلًا واحِدًا لا يَقَعُ عن اثْنَيْنِ، وليس أحَدُهما أوْلَى به من الآخَرِ. وقد ذَكَرْنَا أنَّ المَحْمُولَ به أوْلَى، لِخُلُوصِ نِيَّتِه لِنَفْسِه، وقَصْدِ الحامِلِ له، ولا يَقَعُ عن الحامِلِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. فإن نَوَى أحَدُهما نَفْسَه دُونَ الآخَرِ، صَحَّ الطَّوَافُ له. وإن عُدِمَتِ النِّيَّة منهما، أو نَوَى كُلُّ واحِدٍ منهما الآخَرَ، لم يَصِحَّ لِوَاحِدٍ منهما.