للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْكُمْ فى المائَةِ فما دونَها. فلا يَنْفُذُ حكمُه فى أكثرَ منها. ويجوزُ أن يُوَلِّيَه عُمومَ النَّظرِ فى عُمومِ العملِ، وخُصوصَ النَّظرِ فى خُصوصِ العملِ. ويجوزُ أن يُوَلِّىَ قاضيَيْنِ وثلاثةً فى بلدٍ واحدٍ، يَجعلُ لكلِّ واحدٍ عملًا، فيُوَلِّىَ أحدَهم عُقودَ الأنْكِحةِ، والآخرَ الحُكمَ فى المُدايَناتِ، وآخرَ النَّظرَ فى العَقاراتِ (٣٣). ويَجوزُ أن يُوَلِّىَ كلَّ واحدٍ منهم عُمومَ النَّظرِ فى ناحيةٍ من نَواحى البلدِ، فإن قَلَّدَ قاضِيَيْنِ أو أكثرَ عملًا واحدًا، فى مكانٍ واحدٍ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لا يجوزُ. اختارَه أبو الخطَّابِ، وهو أحدُ الوجهيْنِ لأصحابِ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه يُؤدِّى إلى إيقافِ الحُكمِ والخُصوماتِ، لأنَّهما يَخْتلِفانِ فى الاجْتهادِ، ويرَى أحدُهما ما لا يرَى الآخَرُ. والآخرُ، يجوزُ ذلك. وهو قولُ أصحابِ أبى حنيفةَ. وهو أصَحُّ، إن شاء اللهُ تعالى؛ لأنَّه يجوزُ أن يَسْتَخْلِفَ فى البلدةِ التى هو فيها، فيكونُ فيها قاضِيَان، فجاز أن يكونَ فيها قاضيان أصْلِيَّان، ولأنَّ الغَرَضَ فَصْلُ الخُصوماتِ، وإيصالُ الحقِّ إلى مُسْتحِقِّه، وهذا يَحْصُلُ، فأشْبَهَ القاضىَ وخُلَفاءَه (٣٤). ولأنَّه يجوزُ للقاضى أن يَسْتخْلِفَ خَلِيفَتَيْن فى موضعٍ واحدٍ، فالإمامُ أوْلَى، لأنَّ تَوْلِيَتَه أقْوَى. وقولُهم: يُفضى إلى إيقافِ الأحْكامِ (٣٥). غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّ كلَّ حاكمٍ يَحْكمُ باجْتهادِه بينَ المُتخاصِمَيْن إليه، وليس للآخَرِ الاعْتراضُ عليه، ولا نَقضُ حُكمِه فيما خالَفَ اجْتهادَه.

فصل: وإذا قال الإِمامُ: مَن نَظَرَ فى الحُكمِ مِن فُلانٍ وفُلانٍ، فقد وَلَّيْتُه. لم تَنْعَقِدِ الوِلايةُ لمَن نَظَرَ؛ لأنَّه علَّقَها على شَرْطٍ، ولم يعيِّنْ بالوِلايةِ أحدًا منهم. ويَحْتَمِلُ أن تَنْعَقِدَ الوِلايةُ لمن نَظَرَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أميرُكُمْ زيدٌ، فَإنْ قُتِلَ فَأميرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإن قُتِلَ فَأمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ" (٣٦). فعلَّقَ وِلايةَ الإمارةِ على شَرْطٍ، فكذلك ولايةُ الحُكمِ. وإن قال: وَلَّيْتُ فُلانًا وفلانًا، فأيُّهما نَظَرَ فهو خَلِيفتِى. انْعَقَدَتِ الولايةُ لمَن نَظَرَ منهم؛ لأنَّه عَقَدَ الولايةَ لهما جميعًا.


(٣٣) فى ب، م: "العقار".
(٣٤) سقط من: م.
(٣٥) فى ب، م: "الحكومات".
(٣٦) تقدم تخريجه، فى: ٧/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>