للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرَ تَدُلُّ على أَنَّ لجميعِ المسلمينَ فى الفَىْءِ حَقًا؛ فإنَّه لمَّا قرَأ الآية التى فى سورةِ الحَشْرِ قال: هذه الآيةُ اسْتَوْعَبَتِ المسلمينَ. وجعل للرَّاعِى بسَرْوِ حِمْيَرَ منه نَصِيبًا، وقال: ما أحدٌ إلَّا له فى هذا المالِ نصيبٌ (١٥). وأمَّا أمْوالُ بنى النَّضيرِ، فيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُنْفِقُ منه على أهْلِه؛ لأنَّ ذلك من أهَمِّ المصالحِ، فبَدَأ بهم، ثم (١٦) جَعَلَ باقِيَهُ أُسْوةَ المالِ. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ أمْوالُ بنى النَّضِيرِ اخْتصَّ بها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الفَىْءِ، وتَرَكَ سائرَه لمن سُمِّىَ فى الآية. وهذا مُبَيَّنٌ فى قولِ عمرَ: وكان لِرَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خالصًا دون المسلمينَ.

فصل: واختَلفَ الخلفاءُ الراشدونَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فى قَسْمِ الفَىْءِ بين أهلِه، فذَهَبَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ (١٧)، رَضِىَ اللَّهُ عنه، إلى التَّسْويةِ بينهم فيه. وهو المشهورُ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. فرُوِىَ أَنَّ أبا بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، سَوَّى بين الناسِ فى العَطاءِ، وأدْخلَ فيه العَبِيدَ، فقال له عمرُ: يا خليفةَ رسولِ اللَّه. أتجعَلُ الذينَ جاهَدُوا فى سَبِيلِ اللَّه بأمْوالِهِم وأنْفُسِهِم، وهَجَرُوا دِيارَهُم له، كمَنْ إنَّما دَخَلُوا فى الإِسلامِ كَرْهًا! فقال أبو بكرٍ: إنَّما عَمِلُوا للَّه، وإنَّما أُجُورُهُم على اللَّهِ، وإنَّما الدُّنْيا بَلَاغٌ. فلما وَلِىَ عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فاضَلَ بينهم، وأخْرَجَ العَبِيدَ، فلمَّا وَلِىَ علىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عنه، سَوَّى بينهم، وأخْرَجَ العبيدَ. وذُكِرَ عن عثمانَ رَضِىَ اللَّهُ عنه: أنَّه فَضَّلَ بينهم فى القِسْمةِ (١٨). فعلَى هذا يكونُ مذهبُ اثنينِ منهم، أبى بكرٍ وعلىّ التَّسْويةَ، ومذهبُ اثنينِ عمرَ وعثمانَ التَّفْضِيلَ. ورُوِىَ عن أحمدَ، رحمةُ اللَّه عليه، أنَّه أجَازَ الأمْرَيْنِ جميعًا، على ما يَراهُ


(١٥) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٨٢.
(١٦) سقط من: أ، م.
(١٧) سقط من: ب.
(١٨) أخرجه البيهقى، فى: باب التسوية بين الناس فى القسمة، من كتاب قسم الفىء. السنن الكبرى ٦/ ٣٤٨ بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>