للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهُ تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٢).

فصل: وهذه الشُّرُوطُ الخَمْسَةُ تَنْقَسِمُ أقْسامًا ثَلَاثَةً؛ منها ما هو شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ والصِّحَّةِ، وهو الإِسلامُ والعَقْلُ، [فلا تجِبُ] (٣) على (٤) كافِرٍ ولا مَجْنُونٍ، ولا تَصِحُّ منهما؛ لأنَّهما ليسا من أهْلِ العِبَادَاتِ. ومنها ما هو شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ [والإِجْزاءِ، وهو البُلُوغُ والحُرِّيَّةُ، وليس بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ، فلو حَجَّ الصَّبِىُّ والعَبْدُ صَحَّ حَجُّهُما، ولم يُجْزِئْهُما عن حَجَّةِ الإِسلامِ. ومنها ما هو شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ] (٥) فقط، وهو الاسْتِطاعَةُ، فلو تَجَشَّمَ غيرُ المُسْتَطِيعِ المَشَقَّةَ، وسارَ (٦) بغيرِ زَادٍ ورَاحِلَةٍ فحَجَّ، كان حَجُّهُ صَحِيحًا مُجْزِئًا، كما لو تَكَلَّفَ القِيامَ فى الصلاةِ والصِّيامِ مَن يسْقطُ عنه، أجْزَأَهُ.

فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فى شَرْطَيْنِ، وهما، تَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ، وهو أن لا يكونَ فى الطرَّيقِ مانِعٌ من عَدُوٍّ وَنحْوِه. وإمْكانُ المَسِيرِ، وهو أن تَكْمُلَ فيه هذه الشَّرَائِطُ والوَقْتُ مُتَّسِعٌ يُمْكِنُه الخُرُوجُ إليه. فرُوِىَ أنَّهما من شَرائِطِ الوُجُوبِ، فلا يَجِبُ الحَجُّ بِدُونِهما؛ لأنَّ اللهَ تعالى إنَّما فَرَضَ الحَجَّ على المُسْتَطِيعِ، وهذا غيرُ مُسْتَطِيعٍ، ولأنَّ هذا يَتَعَذَّرُ معه فِعْلُ الحَجِّ، فكان شَرْطًا، كالزَّادِ والرَّاحِلَةِ. وهذا مَذْهَبُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ. ورُوِىَ أنَّهما ليسا من شَرائِطِ الوُجُوبِ، وإنَّما يُشْتَرَطَانِ لِلُزُومِ السَّعْىِ، فلو كَمَلَتْ هذه الشُّرُوطُ الخَمْسَةُ، ثم ماتَ قبلَ وُجُودِ هذيْن الشَّرْطَيْنِ، حُجَّ عنه بعد مَوْتِه، وإن أعْسَرَ قبلَ وُجُودِهما بَقِىَ فى ذِمَّتِه. وهذا ظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، فَإنَّه لم يَذْكُرْهما؛ وذلك لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا


(٢) سورة البقرة ٢٨٦.
(٣) فى م: "فلم يجب".
(٤) فى م زيادة: "كل".
(٥) سقط من ا.
(٦) فى أ: "وسافر".

<<  <  ج: ص:  >  >>