للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالمِيلِ ونَحْوِه، لم يُفْطِرْ. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إن كان الكُحْلُ حَادًّا، فَطَّرَهُ، وإلَّا فلا. ونحوَ ما ذَكَرْنَاهُ قال أصْحابُ مالِكٍ. وعن ابْنِ أبِى لَيْلَى، وابْنِ شُبْرُمَةَ، أنَّ الكُحْلَ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ: لا يُفَطِّرُه، لما رُوِى عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه اكْتَحَلَ في رمضانَ وهو صَائِمٌ (٢٤). ولأنَّ العَيْنَ ليستْ مَنْفَذًا، فلم يُفْطِرْ بالدَّاخِلِ منها، كما لو دَهَنَ رَأسَهُ. ولَنا، أنَّه أوْصَلَ إلى حَلْقِه ما هو مَمْنُوعٌ من تَنَاوُلِه بِفِيهِ فأفْطَرَ به، كما لو أوْصَلَهُ من أنْفِه، وما رَوَوْهُ لم يَصِحَّ، قال التِّرْمِذِىُّ (٢٥): لم يَصِحَّ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بَابِ الكُحْلِ لِلصَّائِمِ شيءٌ. ثم يَحْمِلُه على أنَّه اكْتَحَلَ بما لا يَصِلُ. وقَوْلُهم: ليستِ العَيْنُ مَنْفَذًا. لا يَصِحُّ، فإنَّه يُوجَدُ طَعْمُه في الحَلْقِ، ويَكْتَحِلُ بالإثْمِدِ فيتَنَخَّعُهُ. قال أحمدُ: حَدَّثَنِى إنْسَانٌ أنَّه اكْتَحَلَ باللَّيْلِ فتَنَخَّعَهُ بالنَّهَارِ. ثم لا يُعْتَبَرُ في الوَاصِلِ أنْ يكونَ من مَنْفَذٍ، بِدَلِيلِ أنَّه (٢٦) لو جَرَحَ نَفْسَه جَائِفَةً، فإنَّه يُفْطِرُ.

فصل: وما لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، كابْتِلَاعِ الرِّيقِ، لا يُفَطِّرُه، لأنَّ اتِّقَاءَ ذلك يَشُقُّ، فأشْبَه غُبَارَ الطَّرِيقِ، وغَرْبَلَةَ الدَّقِيقِ. فإن جَمَعَهُ ثم ابْتَلَعَهُ قَصْدًا لم يُفَطِّرْهُ؛ لأنَّه يَصِلُ إلى جَوْفِهِ من مَعِدَتِه، أَشْبَهَ ما إذا لم يَجْمَعْهُ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُفَطِّرُه؛ لأنَّه أمْكَنَه التَّحَرُّزُ منه، أشْبَهَ ما لو قَصَدَ ابْتِلَاعَ غُبَارِ الطَّرِيقِ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ فإنَّ الرِّيقَ لا يُفَطِّرُ إذا لم يَجْمَعْهُ، وإن قَصَدَ ابْتِلَاعَه، فكذلك إذا جَمَعَه، بخِلافِ غُبارِ الطَّرِيقِ، فإن خَرَجَ رِيقُه إلى ثَوْبِه، أو بين أصَابِعِه، أو بين شَفَتَيْه، ثم عَادَ فَابْتَلَعَه، أو بَلَعَ رِيقَ غيرِه، أفْطَرَ؛ لأنَّه ابْتَلَعَه من غير فَمِهِ، فأَشْبَه


(٢٤) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في السواك والكحل للصائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٣٦. والبيهقي، في: باب الصائم يكتحل، من كتاب الصيام. السنن الكبري ٤/ ٢٦٢. وليس فيهما أنه كان في رمضان.
(٢٥) في سننه. انظر: عارضة الأحوذي ٣/ ٢٥٨.
(٢٦) في أ، ب، م: "ما".

<<  <  ج: ص:  >  >>