للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَلِّى (٨) ". ولم يَأْمُرْهَا بالوضُوءِ، ولأنَّه ليس بِمَنْصُوصٍ على الوضُوءِ منه، ولا في مَعْنَى المَنْصُوصِ، لأنَّ المَنْصُوصَ عليه الخَارِجُ المُعْتَادُ، وليس هذا بِمُعْتَادٍ. ولَنا، ما رَوَى عَدِىُّ بنُ ثابِتٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في المُسْتَحَاضَةِ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وتَصُومُ وتُصَلِّى، وتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ". رواه أبو داود، والتِّرْمِذِىُّ (٩)، وعن عائشةَ، قالتْ: جاءتْ فاطمةُ بِنْتُ أبِى حُبَيْشٍ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرتْ خَبَرَها، ثم قال: "اغْتَسِلِى، ثُمَّ تَوَضَّئِى لِكُلِّ صَلَاةٍ وصَلِّى". رواهُ أبو داود، والتِّرْمِذِىُّ (١٠)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ولأنَّه خارِجٌ مِن السَّبِيلِ، فنَقَضَ الوُضُوءَ، كالمَذْىِ.

إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ طَهارةَ هؤلاء مُقَيَّدَةٌ بالوَقْتِ؛ لقولِه: "تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ". وقولِه: "ثُمَّ تَوَضَّئِى لِكُلِّ صَلَاةٍ". ولأَنَّها طَهَارَةُ عُذْرٍ وضَرُورَةٍ، فتَقَيَّدَتْ بِالوَقْتِ، كالتَّيَمُّمِ.

فصل: فإنْ تَوَضَّأَ أحدُ هؤلاء قبلَ الوَقْتِ، وخَرَجَ منه شيءٌ، بَطَلَتْ طَهَارَتُه؛ لِأنَّ دُخُولَه يخرُجُ به الوَقْتُ الذي تَوَضَّأَ فيه، وخُرُوجُ الوَقْتِ مُبْطِلٌ لِهذه الطَّهَارَةِ، كما قَرَّرْنَاه. ولأنَّ الحَدَثَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ، وإنَّما عُفِىَ عنه لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عنه مع الحَاجَةِ إلى الطَّهَارَةِ. وإنْ تَوَضَّأ بعدَ الوَقْتِ، صَحَّ، وارْتَفَعَ حَدَثُه، ولم يُؤَثِّرْ فيه ما يَتَجَدَّدُ مِنَ الحَدَثِ الذي لا يُمكِنُ التَّحَرُّزُ منه. فإنْ دَخَلَ في الصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِه، أو أخَّرَها لأمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، كَلُبْسِ الثِّيَابِ، وانْتِظَارِ الجَمَاعَةِ، أو لم يَعْلَمْ أنَّه خَرَجَ منه شيءٌ، جازَ. وإنْ أخَّرَها لغيرِ ذلك، ففيه وَجْهَان: أحدُهما، الجَوَازُ؛ لأنَّها طَهَارَةٌ أُرِيدَتْ لِلصَّلَاةِ بعدَ دُخُولِ وَقْتِها، فأشْبَهَتِ التَّيَمُّمَ، ولِأنَّها طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فتَقَيَّدَتْ بالوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ. والثَّانِى، لا يجُوزُ؛ لأنَّه إنَّما أبِيحَ له الصَّلَاةُ بهذه الطَّهَارَةِ مَع قِيَامِ الحَدَثِ لِلْحَاجَةِ والضَّرُورَةِ،


(٨) تقدم في صفحة ٢٧٧.
(٩) تقدم في صفحة ٣٩٧.
(١٠) تقدم في صفحة ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>