للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبارُ المَوَاقِيتِ، وهو البَياضُ المُسْتَطِيرُ المُنْتَشِرُ في الأُفُقِ، ويُسَمَّى الفجرَ الصَّادِقَ، لأنّه صَدَقَكَ عن الصُّبْحِ وبَيَّنَهُ لك، والصُّبْحُ ما جمع بَياضًا وحُمْرَةً، ومنه سُمِّىَ الرَّجُلُ الذي في لَوْنِه بياضٌ وحُمْرَةٌ أصْبَحَ، وأمَّا الفجرُ الأَوَّل، فهو البياضُ المُسْتَدِقُّ صُعُدًا مِن غيرِ اعْتِرَاضٍ، فلا يَتَعَلَّقُ به حُكْمٌ، ويُسَمَّى الفَجْرَ الكاذبَ. ثم لا يَزَالُ وقتُ الاخْتِيَارِ إلى أن يُسْفِرَ النَّهَارُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ في حديثِ جِبْرِيلَ وبُرَيْدةَ. وما بعدَ ذلك وَقْتُ عُذْرٍ وضَرُورَةٍ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ لِقولِ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث عبدِ اللهِ بنِ عمرو: "ووقتُ الفَجْرِ مَا لم تَطْلُعُ الشَّمْسُ" (٣). ومَنْ أَدْرَكَ منها رَكْعَةً قَبْلَ أنْ تطْلُعَ الشمسُ كان مُدْرِكًا لها، وفى إدْرَاكِهَا بما دونَ ذلك اخْتِلَافٌ قد ذكرْناهُ. وقال أصحابُ الرَّأْىِ، فيمَنْ طَلَعَتِ الشمسُ وقد صَلَّى ركعةً: تَفْسُدُ صلاتُهُ؛ لأنَّه صارَ في وقتِ نُهِىَ عن الصلاةِ فيه. وهذا لا يَصِحُّ لِقَوْلِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ [فَقَدْ أدْرَكَ الصُّبْحِ". مُتَّفَقٌ عليه (٥). وفي رِوَايَةٍ: "مَنْ أدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ] (٤) فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ". مُتَّفَقٌ عليه (٥). ولأنه أدرك ركعةً من الصلاةِ في وقتِها، فكان مُدْرِكًا لها [في وقتِها] (٦)، كبقِيَّةِ الصلواتِ (٧)، وإنما نُهِىَ عن النَّافِلَةِ، فأما الفَرَائِضُ فتُصَلَّى في كلِّ وقتٍ، بدلِيلِ أنَّ قَبْلَ طُلُوعِ الشمسِ وقتُ نَهْى أيضًا، ولا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الفَجْرِ فيه.

فصل: إذا شكَّ في دخولِ الوقتِ، لم يُصَلِّ حتى يَتَيَقَّنَ دُخولَه، أو يَغْلِبَ على ظَنِّهِ ذلك، مثْل مَنْ هو ذو صَنْعَةٍ جَرَتْ عادَتُه بِعَمَلِ شيءٍ مُقَدَّرٍ إلى وقتِ الصلاةِ، أو قارِىءٍ جرتْ عادَتُه بقراءَةِ جُزْءٍ فقرأه، وأشْباه هذا، فمتى فَعَلَ ذلك، وغَلَبَ على ظَنِّهِ دخولُ الوقتِ، أُبِيحَتْ له الصلاةُ، ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُها


(٣) تقدم تخريج حديث عبد اللَّه بن عمرو، في صفحة ١٥.
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) انظر ما تقدم في حاشية ١٧، ١٨.
(٦) سقط من: الأصل.
(٧) في الأصل: "الصلاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>