للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبِيعِ، وبين مَن لم يَعْلَمْ ذلك؛ لأنَّ من يَعْلَمُ ذلك يَعْتَقِدُ فَسَادَ البَيْعِ والشِّرَاءِ، فكان بَيْعُه فَاسِدًا؛ لِكَوْنِه مُتَلَاعِبًا بقولِه، مُعْتَقِدًا فَسَادَهُ، ومن لا يَعْلَمُ يَعْتَقِدُه صَحِيحًا، وقد تَبَيَّنَ اجْتِمَاعُ شُرُوطِه، فصَحَّ، كما لو عَلِمَهُ مَقْدُورًا على تَسْلِيمِه.

فصل: فإن قال الأَجْنَبِىُّ لِلْمُدَّعِى: أنا وَكِيلُ المُدَّعَى عليه فى مُصَالَحَتِكَ عن هذه العَيْنِ، وهو مُقِرٌّ لك بها، وإنَّما يَجْحَدُها فى الظَّاهِرِ. فظَاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ أنَّ الصُّلْحَ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يَجْحَدُها فى الظَّاهِرِ لِيَنْتَقِصَ المُدَّعِىَ بَعْضَ حَقِّه، أوْ يَشْتَرِيَهُ بأقَلَّ مِن (١٣) ثَمَنِه، فهو هَاضِمٌ لِلْحَقِّ، يَتَوَصَّلُ إلى أخْذِ المُصَالَحِ عنه بالظُّلْمِ والعُدْوَانِ، فهو بِمَنْزِلَةِ ما لو شَافَهَهُ بذلك، فقال: أنا أَعْلَمُ صِحَّةَ دَعْوَاكَ، وأنَّ هذا لك، ولكنْ لا أُسَلِّمُه إليك، ولا أُقِرُّ لك به عندَ الحاكِمِ حتى تُصَالِحَنِى منه على بعضِه، أو عِوَضٍ عنه. وقال القاضِى: يَصِحُّ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. قالوا: ثم يَنْظُرُ إلى المُدَّعَى عليه، فإن صَدَّقَهُ على ذلك، مَلَكَ العَيْنَ، [ورَجَعَ الأَجْنَبِىُّ عليه] (١٤) بما أَدَّى عنه، إن كان أَذِنَ له فى الدَّفْعِ، وإن أَنْكَرَ الإِذْنَ فى الدَّفْعِ، فالقَوْلُ قولُه مع يَمِينِه، ويكون حُكْمُه حُكْمَ من قَضَى دَيْنَه بغيرِ إِذْنِه. وإن أنْكَرَ الوِكَالَةَ، فالقَوْل قولُه مع يَمِينِه، وليس لِلْأَجْنَبِىِّ الرُّجُوعُ عليه، ولا يُحْكَمُ له بِمِلْكِها. فأمَّا حُكْمُ مِلْكِها فى البَاطِنِ، فإن كان وَكَّلَ الأَجْنَبِىَّ فى الشِّرَاءِ، فقدْ مَلَكَها؛ لأنَّه اشْتَرَاهَا بإِذْنِه، فلا يَقْدَحُ إنْكَارُه فى مِلْكِها؛ لأنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ قبلَ إِنْكَارِه، وإنَّما هو ظَالِمٌ بالإِنْكَارِ لِلْأَجْنَبِىِّ، وإن كان لم يُوَكِّلْهُ، لم يَمْلِكها؛ لأنَّه اشْتَرَى له عَيْنًا بغيرِ إِذْنِه. ويَحْتَمِلُ أنْ يَقِفَ على إِجازَتِه، كمَا قُلْنا فى مَن اشْتَرَى لِغيرِه شيئا بغيرِ إِذنِه بِثَمَنٍ فى ذِمَّتِه، فإنْ أجَازَهُ، لَزِمَ فى حقِّه، وإن لم يُجِزْهُ، لَزِمَ مَن اشْتَرَاهُ. وإن قال الأَجْنَبِىُّ لِلْمُدَّعِى: قد عَرَفَ المُدَّعَى عليه صِحَّةَ دَعْوَاكَ، وهو يَسْأَلُكَ أن تُصَالِحَهُ عنه، وقد وَكَّلَنِى فى المُصَالَحَةِ عنه. فصَالَحَهُ، صَحَّ، وكان الحُكْمُ كما ذَكَرْنَا؛ لأنَّه


(١٣) سقط من: أ، ب، م.
(١٤) فى أ، م: "ورجع على الأجنبى وعليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>