للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به خِيارُهما، كما لو تَخايَرا، ويَصِحُّ تَصَرُّفُهما؛ لأنَّ قَطْعَ الخِيارِ حَصَلَ بالإِذْنِ فى البَيْعِ، فيَقَعُ البَيْعُ بعد انْقِطاعِ الخِيارِ. وإن تَصَرَّفَ البائِعُ بإذْنِ المُشْتَرِى، احْتَمَلَ أن يَقَعَ صَحيحًا؛ لأنَّ ذلك دَليلٌ على فَسْخِ البَيْعِ، أو اسْتِرْجَاعِ المَبِيعِ، فيَقَعُ تَصَرُّفُه بعد اسْتِرْجاعِه، ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّ البَائِعَ لا يَحْتَاجُ إلى إذْنِ المُشْتَرِى فى اسْتِرْجاعِ المَبيعِ، فَيَصيرُ كَتَصَرُّفِهِ بغيرِ إذْنِ المُشْتَرِى، وقد ذَكَرْنَا أنَّه لا يَصِحُّ، كذا هاهُنَا. وكلُّ مَوْضِعٍ قلنا: إنَّ تَصَرُّفَ البائِعِ لا يَنْفُذُ، ولكن يَنْفَسِخُ به البَيْعُ. فإنَّه مَتَى أعادَ ذلك التَّصَرُّفَ، أو تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا سِواهُ، صَحَّ؛ لأنَّه بِفَسْخِ البَيعِ عادَ إليه المِلْكُ، فَصَحَّ تَصَرُّفُه فيه، كما لو فَسَخَ البَيْعَ بِصَرِيحِ قَوْلِه، ثم تَصَرَّف فيه، وكذلِك إن تَقَدَّمَ تَصَرُّفَهُ ما يَنْفَسِخُ به البَيْعُ، صَحَّ تَصَرُّفُه؛ لما ذَكَرْنا.

فصل: وإن تَصَرَّفَ أحَدُهما بِالعِتْقِ، نَفَذَ عِتْقُ مَنْ حَكَمْنا بِالمِلْكِ له، وظاهِرُ المذهبِ أنَّ المِلْكَ لِلْمُشْتَرِى، فَيَنْفُذُ عِتْقُه، سَواءٌ كان الخِيارُ لهما، أو لأحَدهما؛ لأنَّه عِتْقٌ من مالِكٍ جائِزِ التَّصَرُّفِ، فَنَفَذَ، كما بعدَ المُدَّةِ. وقَوْلُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا عِتْقَ فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدَمَ" (٢٢). يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ على أنَّه يَنْفُذُ (٢٣) فى المِلْكِ، ومِلْكُ البائِع لِلْفَسْخِ لا يَمْنَعُ نُفوذَ العِتقِ، كما لو باعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ مَعِيبَةٍ (٢٤)، فإنَّ مُشْتَرِى العَبْدِ يَنْفُذُ عِتْقُه، مع أنَّ للبائِعِ الفَسْخَ. ولو وَهَبَ رَجُلٌ ابْنَهُ عَبْدًا، فأعتَقَهُ، نَفَذَ عِتْقُه، مع مِلْكِ الأبِ لِاسْتِرْجاعِه. ولا يَنْفُذُ عِتْقُ البائِعِ فى ظاهِرِ المَذْهَبِ. وقال أبُو حنيفَةَ، والشَّافِعىُّ، ومالكٌ: يَنْفُذُ عِتْقُه؛ لأنَّه مِلْكُه، وإن كان المِلْكُ انْتَقَلَ فإنَّه يَسْتَرْجِعُه بِالعِتْقِ. ولنا، أنَّه إعْتاقٌ من غيرِ مالِكٍ، فلم يَنْفُذْ، كَعِتْقِ الأبِ عَبْدَ ابْنهِ الذى وَهَبَهُ (٢٥) إيَّاهُ، وقد دَلَلْنَا على أنَّ المِلْكَ انتقَلَ إلى المُشْتَرِى.


(٢٢) أخرجه أبُو داود، فى: باب فى الطلاق في النكاح، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود ١/ ٥٠٦. والترمذى، فى: باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذى ٥/ ١٤٧. وابن ماجه، فى: باب لا طلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦٠. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٩٠.
(٢٣) فى الأصل: "تنفيذ".
(٢٤) فى الأصل، م: "معينة". ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٢٥) فى الأصل: "رهنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>