للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعْلَمُه، فأمَّا عندَ القيامِ مِن نَوْمِ اللَّيلِ، فاختلفت الرِّوايةُ في وُجُوبِه؛ فرُوِىَ عن أحمد وُجُوبُه، وهو الظاهِرُ عنه، واختيارُ أبى بَكْر، وهو مَذْهَبُ ابن عُمَر، وأبى هُرَيْرَة، والحَسَن البَصْرِىّ؛ لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اسْتَيْقَظَ أحَدُكم من نَوْمِه فَلْيَغْسِل يَدَيْهِ قَبْلَ أن يُدْخِلَهُمَا الإِناءَ ثلاثًا؛ فإنَّ أحَدَكُم لا يَدْرِى أيْنَ باتَتْ يَدُهُ". مُتَفَقٌ عليه (٣٦)، وفى لَفْظٍ لمُسْلِمٍ: "فلا يَغْمِسْ يَدَهُ في وَضُوءٍ حتى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا". وأمرُه يَقْتَضِى الوُجُوبَ، ونَهْيُه يَقْتَضِى التَّحْرِيم. ورُوِىَ أن ذلك مُسْتَحَبٌّ، ولَيْسَ بوَاجِبٍ. وبه قال عَطَاء، ومالِك، والأوْزَاعِىّ، والشافِعِىُّ، وإسحاق، وأصْحابُ الرَّأْى، وابن المُنْذِر؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (٣٧). الآية. قال زَيْدُ بنُ أَسْلَم (٣٨) في تَفْسِيرها: إذا قُمْتُمْ مِنْ نَوْمِ اللَّيلِ (٣٩). ولأنَّ القِيامَ مِن النَّوْمِ داخِلٌ في عُمُومِ الآية، وقد أَمَرَهُ بالوُضُوءِ من غيرِ غَسْلِ الكَفَّيْنِ في أوَّلِه، والأمرُ بالشىءِ يَقْتَضِى حُصُولَ الإِجْزاءِ بهِ، ولأنه قائِمٌ من نَوْمٍ، فأشْبَه القائمَ من نَوْمِ النهار، والحديثُ مَحْمُولٌ على الاسْتِحْبابِ، لتَعْلِيله بما يقتضى ذلك، وهو قولهُ: "فَإنَّهُ لا يَدْرِى أين باتَتْ يَدُه" وطَرَيانُ الشَّكِّ على يَقِينِ الطَّهارةِ لا يُؤَثِّرُ فيها، كما لو تَيَقَّنَ الطهارةَ وشَكَّ في الحَدَثِ، فيَدُلُّ ذلك على أنه أرادَ النَّدْبَ.

فصل: ولا تَخْتَلِفُ الرِّوايةُ في أنه لا يَجِبُ غَسْلُهما من نَوْمِ النَّهارِ، وسَوَّى الحسنُ بَيْنَ نومِ اللَّيْلِ ونَوْمِ النهارِ في الوُجُوبِ؛ لِعُمُومِ قَوْلهِ: "إذا قام أحَدُكم من نَوْمِه".

ولنَا أنَّ في الخَبَرِ ما يَدُلُّ على إرادةِ نَوْمِ اللَّيْلِ؛ لقَوْلهِ: "فإنَّه لا يَدْرِى أينَ باتَتْ


(٣٦) تقدم في صفحة ٤٠.
(٣٧) سورة المائدة ٦.
(٣٨) أبو عبد اللَّه زيد بن أسلم العدوى العمرى مولاهم، كان له حلقة للعلم في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وله "تفسير". توفى سنة ست وثلاثين ومائة. سير أعلام النبلاء ٥/ ٣١٦.
(٣٩) سقط من: م. وانظر ما يأتى في أول الفصل التالى، وانظر لقول زيد بن أسلم: تفسير الطبري ١٠/ ١٠، وتفسير القرطبي ٦/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>