للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَّا إلى المُسْتَحِقِّ من أهْلِ بَلَدِه. وإن وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ وَحْدَهم، دَخَلَ فيه المَساكِينُ. وإن أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ دَخَلَ فيه الفُقَرَاءُ؛ لأنَّهم صِنْفٌ واحِدٌ فيما عَدا الزَّكَاةِ، إلَّا أن يَذْكُرَ الصّنفَيْنِ جَمِيعًا، فيَدُلُّ ذلك (٢٢) على أنَّه أرَادَ المُغَايَرةَ بينهما. ويُسْتَحَبُّ تَعْمِيمُ مَن أمْكَنَ منهم، والدَّفْعُ إليهم على قَدْرِ الحاجَةِ، والبدَايةُ بأقَارِبِ المُوصِى، على ما ذَكَرْنا (٢٣) في بابِ الزَّكَاةِ.

فصل: وإن أوْصَى بشيءٍ لِزَيْدٍ ولِلْمَساكِينِ، فلِزَيْدٍ نِصفُ الوَصِيَّةِ. وبهذا قال أبو حنيفَةَ، ومحمدٌ. وعن محمدٍ: لِزَيْدٍ ثُلُثُه، ولِلْمَساكِينِ ثُلُثاه؛ لأنَّ أقَلَّ الجَمْعِ اثْنانِ. وقال الشافِعِىُّ: يكونُ كأَحَدِهِم، إن عَمَّهُم أعْطَاهُ كوَاحِدٍ منهم، وإن قَسَمَ على ثَلَاثةٍ منهم جَعَلَه كأحَدِهِم. وحَكَى أصْحابُه وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، أحَدهما كمَذْهَبِنا. والثانى له رُبْعُ الوَصِيَّةِ؛ لأنَّ أقَلَّ الجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، فإذا انْضَمَّ إليهم صارُوا أرْبَعةً. ولَنا، أنَّه جَعَلَ الوَصِيّة لجِهَتَيْنِ، فوَجَبَ أن يُقَسَّمَ بينهم، كما لو قال: لِزَيْدٍ وعَمْرٍو. ولأنَّه لو وَصَّى لِقُرَيْشٍ وتَمِيمٍ، لم يُشْرَكْ بينهم على قَدْرِ عَدَدِهِم، ولا على قَدْرِ من يُعْطَى منهم، بل يُقَسَّمُ بينهم نِصْفَيْنِ، كذلك ههُنا. وإن كان زَيْدٌ مِسْكِينًا، لم يُدْفَعْ إليه من سَهْمِ المَساكِينِ شيءٌ. وبه قال الحَسَنُ، وإسحاقُ؛ لأنَّ عَطْفَهُم عليه يَدُلُّ على المُغَايَرةِ بينهما، إذ الظاهِرُ المغَايَرَةُ بين المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عليه، ولأن تَجْوِيزَ ذلك يُفْضِى إلى تَجْوِيزِ دَفْعِ الجَمِيعِ إليه، ولَفْظُه يَقْتَضِى خِلَافَ ذلك. فأمَّا إن كانت الوَصِيّةُ لِقَوْمٍ يُمْكِنُ اسْتِيعابُهُم وحَصْرُهُم، مثل أن يقولَ: هذا لِزَيْدٍ وإخْوَتِه. فيَحْتَمِلُ أنَّه يكونُ كأحَدِهِم؛ لأنَّه شَرَّكَ بينه وبينهم على وَجْهٍ لا يجوزُ الإِخْلَالُ بِبَعْضِهِم، فتَسَاوَوْا فيه، كما لو قال: هذا لكم. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ كالتى قبلَها.

فصل: وإن قال: اشْتَرُوا بِثُلُثِى رِقَابًا، فأعْتِقُوهُم. لم يَجُزْ صَرْفُه إلى المُكَاتَبِينَ؛


(٢٢) سقط من: أ.
(٢٣) في الأصل، أ: "ذكره".

<<  <  ج: ص:  >  >>