للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضىَ اللهُ عنهُ يَسْتَفْتِحُ بهِ بين يدىْ أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرَوَى الأسْوَدُ (٢١)، أنه صلَّى خَلْفَ عمرَ، فَسَمِعَهُ كَبَّرَ، فقال: سبحانَكَ اللَّهُمَّ وبحَمْدِكَ، وتبارَك اسمُكَ، وتَعالَى جَدُّكَ، ولا إلهَ غَيْرُكَ. فلذلِكَ اخْتَارَه أحمدُ، وجَوَّزَ الاسْتِفْتَاحَ بغيرِهِ، لكونِه قد صَحَّ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلَّا أنه قال في حديثِ عَلِيٍّ (٢٢): بعضُهم يقول: في صلاةِ الليلِ. ولأنَّ العَمَلَ به مَتْرُوكٌ، فإنَّا لا نَعْلَمُ أحَدًا يَسْتَفْتِحُ به كُلِّه، وإنَّمَا يَسْتَفْتِحُونَ بأوَّلِه.

فصل: قال أحمدُ: ولا يَجْهَرُ الإِمامُ بالافْتِتَاحِ. وعليهِ عامَّةُ أهْل العِلْمِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَجْهَرْ به، وَإنَّمَا جَهَرَ بهِ عمرُ، لِيُعَلِّمَ الناسَ. وإذا نَسِىَ الاسْتِفْتَاحَ، أو تَرَكَه عَمْدًا حتى شَرَعَ في الاسْتِعَاذَةِ، لم يَعُدْ إليه؛ لأنَّه سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّها. وكذلكَ إنْ نَسِىَ التَّعَوُّذَ حتى شَرَعَ في القراءَةِ، لم يَعُدْ إليه لذلك.

١٤٧ - مسألة؛ قال: (ثُمَّ يَسْتَعِيذُ)

وجُمْلَةُ ذلكَ أنَّ الاسْتِعَاذَةَ قبلَ القراءَةِ في الصلاةِ سُنَّةٌ. وبذلك قال الحسنُ، وابْنُ سِيرِينَ، وعطاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالأوْزَاعِيُّ، والشَّافِعيُّ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مالكٌ: لا يَسْتَعِيذُ؛ لحديثِ أنَسٍ (١). ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (٢). وعن أبي سعيدٍ، عن رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه كان إذا قام إلى الصلاةِ اسْتَفْتَحَ، ثم يقولُ: "أعُوذُ بِالله السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ، ونَفْخِهِ، ونَفْثِهِ (٣) ". قال التِّرمِذِىُّ: هذا أَشْهَرُ حديثٍ في البابِ. وقال ابن المنذِرِ: جاء عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه كان يقولُ قبلَ القِرَاءَةِ: "أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ".


(٢١) انظر الباب السابق في سنن الدارقطني ١/ ٢٩٩، ٣٠٠.
(٢٢) الذي تقدم في صفحة ١٤٣.
(١) الذي تقدم في صفحة ١٤٤. وهو عند الدارقطني.
(٢) سورة النحل ٩٨.
(٣) أخرجه الترمذي، في: باب ما يقال عند افتتاح الصلاة، من أبواب الصلاة ٢/ ٤٠، ٤١. وأبو داود، في: من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٧٩. والدارمي، في: باب ما يقال بعد افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة ١/ ٢٨٢. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>