للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهما. فقال: أكْرَهُ ذلك. وبه قال أبو (٣٢) أيُّوبَ، وأبو خَيْثَمةَ (٣٣). ولا أعْلَمُ فيه مُخَالِفًا؛ وذلك لأنَّ العِوَضَ مَجْهُولٌ مَعْدُومٌ، ولا يَدْرِى أيُوجَدُ أم لا، والأصْلُ عَدَمُه، ولا يَصِحُّ أن يكونَ ثَمَنًا. فإن قيل: فقد جَوَّزْتُم دَفْعَ الدّابَّةِ إلى مَن يَعْمَلُ عليها بِنِصْفِ رِبْحِها. قُلْنا: إنَّما جازَ ثَمَّ تَشْبِيهًا بالمُضَارَبةِ؛ لأنَّها عَيْنٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ، فجازَ اشْتِرَاطُ جُزْءٍ من النَّماءِ، [والمُساقَاةُ كالمُضَارَبةِ، وفي مَسْأَلَتِنا لا يُمْكِنُ ذلك؛ لأنَّ النَّماءَ] (٣٤) الحاصِلَ في الغَنَمِ لا يَقِفُ حُصُولُه على عَمَلِه فيها، فلم يُمْكِنْ إلْحاقُه بذلك. وإن اسْتَأْجَرَه على رِعَايَتها مُدَّةً مَعْلُومةً، بنِصْفِها، أو جُزْءٍ مَعْلُومٍ (٣٢) منها، صَحَّ؛ لأنَّ العَمَلَ والأجْرَ والمُدَّةَ مَعْلُومٌ، فصَحَّ، كما لو (٣٥) جَعَلَ الأجْرَ دَرَاهِمَ، ويكونُ النَّماءُ الحاصِلُ بينهما بِحُكْمِ المِلْكِ، لأنَّه مَلَكَ الجُزْءَ المَجْعُولَ له منها في الحالِ، فيكونُ له نَمَاؤُه، كما لو اشْتَرَاه.

فصل: الحكم الرابع، أنَّ الإِجَارَةَ إذا تَمَّتْ، وكانت على مُدّةٍ، مَلَكَ المُسْتَأْجِرُ المنَافِعَ المَعْقُودَ عليها إلى المُدَّةِ، ويكونُ حُدُوثُها على مِلْكِه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: تَحْدُثُ على مِلْكِ المُؤْجِرِ، ولا يَمْلِكُها المُسْتَأْجِرُ بالعَقْدِ؛ لأنَّها مَعْدُومةٌ، فلا تكونُ مَمْلُوكَةً، كالثَّمرةِ والوَلَدِ. ولَنا، أنَّ المِلْكَ عِبَارَةٌ عن حُكْمٍ يَحْصُلُ به تَصَرُّفٌ مَخْصُوصٌ، وقد ثَبَتَ أنَّ هذه المَنْفَعةَ المُسْتَقْبَلةَ كان مالِكُ العَيْنِ يَتَصَرَّفُ فيها كتَصَرُّفِه في العَيْنِ، فلما أجَرَها صارَ المُسْتَأْجِرُ مالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فيها، كما كان يَمْلِكُه المُؤْجِرُ، فثَبَتَ أنَّها كانت مَمْلُوكةً لمالِكِ العَيْنِ، ثم انْتَقَلَتْ إلى المُسْتَأْجِرِ، بخِلَافِ الوَلَدِ والثّمَرةِ، فإنَّ المُسْتَأْجِرَ لا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيها. وقولُهم: إنَّ المَنافِعَ


(٣٢) سقط من: ب.
(٣٣) في الأصل: "وأبو حنيفة".
(٣٤) سقط من: الأصل. وسقط من ب قوله: "والمساقاة".
(٣٥) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>