للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْرامِهِ؟ قُلْنا: لأنَّ ذلك فِعْلٌ مَنْدُوبٌ إليه، فكان له اسْتِدَامَتُه، وهاهُنا هو مُحْرِمٌ، وإنَّما سَقَطَ حُكْمُه بِالنِّسْيَانِ أو الجَهْلِ، فإذا زَالَ ظَهَرَ حُكْمُه، وإن تَعَذَّرَ عليه إزَالَتُه، لإِكْرَاهٍ أو عِلَّةٍ، ولم يَجِدْ من يُزِيلُه، وما أَشْبَه ذلك، فلا فِدْيَةَ عليه، وجَرَى مَجْرَى المُكْرَهِ على الطِّيبِ ابْتِداءً. وحُكْمُ الجاهِلِ إذا عَلِمَ، حُكْمُ النَّاسِى إذا ذَكَرَ، وحُكْمُ المُكْرَهِ حُكْمُ النَّاسِى؛ فإنَّ ما عُفِىَ عنه بِالنِّسْيَانِ، عُفِىَ عنه بالإِكْرَاهِ؛ لأنَّهما قَرِينَانِ فى الحَدِيثِ الدَّالِّ على العَفْوِ عنهما. وقَوْلُ الخِرَقِيِّ: "يَفْرَغُ إلى التَّلْبِيَةِ". أى يُلَبِّى حِينَ ذَكَرَ اسْتِذْكَارًا لِلْحَجِّ أنَّه نَسِيَهُ، واسْتِشْعَارًا بإقامَتِه عليه وَرُجُوعِه إليه. وهذا قَوْلٌ يُرْوَى عن إبراهيمَ النَّخَعِىِّ.

٦٨٢ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، أوْ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن وَقَفَ بعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ نَهارًا وَجَبَ عليه الوُقُوفُ بها (١) إلى غُرُوبِ الشَّمسِ؛ لِيَجْمَعَ بين اللَّيْلِ والنَّهَارِ فى الوُقُوفِ. فإن دَفَعَ قبلَ الغُرُوبِ، ولم يَعُدْ حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فعليه دَمٌ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يَجِبُ ذلك، ولا دَمَ عليه إن دَفَعَ قبل الغُرُوب؛ احْتِجاجًا بِحَدِيثِ عُرْوَةَ بن مُضَرِّسٍ (٢)، ولأنَّه أدْرَكَ من الوُقُوفِ ما أجْزَأَهُ، أَشْبَهَ ما لو أدْرَكَ اللَّيْلَ مُنْفَرِدًا. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وقد قال: "خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ" (٣). فإذا تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِقَوْلِ ابنِ عَبّاسٍ، ولأنَّه رُكْنٌ لم يَأْتِ به على الوَجْهِ المَشْرُوعِ، فلَزِمَهُ دَمٌ؛ كما لو أحْرَمَ دُونَ (٤) المِيقاتِ، وحَدِيثُهم دَلَّ على الإِجْزاءِ، والكلامُ فى


(١) سقط من: ب، م.
(٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٧٢.
(٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٤٠.
(٤) فى الأصل: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>