للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن قال: إن خِطْتَ هذا الثَّوْبَ اليوم فلك دِرْهَمٌ، وإن خِطْتَه غَدًا فلك نصْفُ دِرْهَمٍ. فعن أحمدَ فيه رِوَايَتانِ؛ إحداهُما، لا يَصِحُّ، وله أجْرُ المِثْلِ. نَقَلَها أبو الحارِثِ، عن أحمدَ. وهذا مذهبُ مالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشافِعِىِّ، وإسْحاقَ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه عَقْدٌ واحِدٌ، اخْتَلَفَ فيه العِوَضُ بالتَّقْدِيمِ والتّأْخِيرِ، فلم يَصِحَّ، كما لو قال: بِعْتُكَ نَقْدًا بِدِرْهَمٍ أو بِدِرْهَمَيْنِ نَسِيئةً. والثانية، يَصِحُّ. وهو قولُ الحارِثِ العُكْلِىِّ، وأبى يوسفَ، ومحمدٍ؛ لأنَّه سَمَّى لكلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا، فصَحَّ، كما لو قال: كلّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. وقال أبو حنيفةَ: إن خَاطَهُ اليومَ فله دِرهَمٌ، وإن خَاطَه غَدًا لا يُزَادُ على (١٠) دِرْهَمٍ، ولا يَنْقُصُ عن نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لأنَّ المُؤْجِرَ قد جَعَلَ له نِصْفَ دِرْهَمٍ، فلا يَنْقُصُ منه، وهو قد رَضِىَ في أكْثَر العَمَلَيْنِ بِدِرْهَمٍ، فلا يُزَادُ عنه. وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّه إن صَحَّ العَقْدُ فله المُسَمَّى، وإن فَسَدَ فوُجُودُه كالعَدَمِ، ويَجِبُ أجْرُ المِثْلِ، كسائِرِ العُقُودِ الفاسِدَةِ.

فصل: وإن قال: إن خِطْتَه رُومِيًّا فلك دِرْهَمٌ، وإن خِطْتَه فارِسِيًّا فلك نَصْفُ دِرْهَمٍ. ففيها وَجْهانِ، بِنَاءً على التي قَبْلَها. والخِلَافُ فيها كالتى قَبْلَها؛ [إلَّا أنَّ] (١١) أبا حَنِيفةَ وافَقَ صاحِبَيْه (١٢) في الصِّحَّةِ ههُنا. ولَنا، أنَّه عَقْدُ مُعَاوَضةٍ لم يَتَعَيَّنْ فيه العِوَضُ ولا المُعَوَّضُ، فلم يَصِحَّ. كما لو قال: بِعْتُكَ هذا بِدِرْهَمٍ، أو هذا بِدِرْهَمَيْنِ. وفَارَقَ هذا كلَّ دَلْوٍ بِتَمْرةٍ، من وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أنَّ العَمَلَ الثانىَ يَنْضَمُّ إلى العَمَلِ الأَوَّلِ، ولكلِّ واحدٍ منهما عِوَضٌ مُقَدَّرٌ، فأشْبَهَ ما لو قال: بِعْتُكَ هذه الصُّبْرةَ، كلَّ قَفِيزٍ بدِرْهَمٍ. وههُنا الخِيَاطَةُ واحدةٌ، شَرَطَ فيها عِوَضًا إن وُجِدَتْ على صِفَةٍ، وعِوَضًا آخَرَ إن وُجِدَتْ على أُخْرَى، فأشْبَهَ ما لو باعَهُ بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ، أو [أحَدَ عَشرَ] (١٣) مُكَسَّرَةً. والثانى، أنَّه وَقَفَ الإِجارَةَ على شَرْطٍ، بقوله: إن خِطْتَه كذا فلك


(١٠) في الأصل: "عن".
(١١) في ب، م: "لأن".
(١٢) في ب، م: "صاحبه".
(١٣) في ب، م: "إحدى عشرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>